للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم وسَّع المسجد "عثمان" ومن جاء بعده، ثم صار كل من ولي من الخلفاء والسلاطين يزيد في اتساع الحي، حتى صار على ما هو عليه الآن١.

ودار الندوة إذن هي دار مشورة في أمور السلم والحرب، ومجلس المدينة التي عرف رؤساؤها كيف يحصلون على الثروة كيف يستعيضون عن فقر أرضهم بتجارة تدرُّ عليهم أرباحًا عظيمة وبخدمة يقدمونها إلى عابدي الأصنام، جاءت إليهم بأموال وافرة من الحجيج. في هذه الدار يجتمع الرؤساء وأعيان البلاد للتشاور في الأمور والبتِّ فيها. وفي هذه الدار أيضا تجري عقود الزواج، وتعقد المعاملات, فهي دار مشورة ودار حكومة في آنٍ واحدٍ, يديرها "الملأ"، وهم مثل أعضاء مجلس الشيوخ "أثينا" الذين كانوا يجتمعون في "المجلس" "Ekklesia" للنظر في الأمور٢. يمثلون زعماء الأسر، ورؤساء الأحياء, وأصحاب الرأي والمشورة للبت فيما يعرض عليهم من مشكلات٣.

وقد ذكر بعض أهل الأخبار أن دار الندوة لم يكن يدخلها إلا ابن أربعين أو ما زاد، فدخلها أبو جهل وهو ابن ثلاثين؛ لجودة رأيه٤, ودخلها غيره للسبب نفسه. فيظهر من ذلك أن المراد من دخول الدار، هو حضورها للإسهام في إبداء رأي وتقديم مشورة.

ولما كانت سن الأربعين في نظر العرب هي سن النضج والكمال، أخذوا بمبدأ تحديده باعتباره الحد الأصغر لسن من يسمح له بالاشتراك في الاجتماعات وإبداء الرأي، إلا إذا وجدوا في رجل أصغر سنًّا جودة في الرأي, وحدة في الذكاء, فيسمح له عندئذٍ بالاشتراك وبإبداء الرأي بصورة خاصة.

وذكر أيضا، أنه لم يكن يدخل دار الندوة أحد من قريش لمشورة حتى يبلغ أربعين سنة، إلا حكيم بن حزام، فإنه دخلها وهو ابن خمس عشرة سنة. وكان ولد في الكعبة، وذلك أن أمه دخلت الكعبة مع نسوة من قريش وهي حامل به، فضربها المخاض في الكعبة، وأعجلها عن الخروج، فوضعت به بها، وجاء


١ الأحكام السلطانية "١٦٢", نزهة الجليس "١/ ٢٤".
٢ Watt, p. ٩.
٣ Oleary, p. ١٨٣.
٤ الاشتقاق "ص٩٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>