للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بظاهر مكة١. فكانت "بئر العجول" أول بئر حفرتها قريش في مكة٢.

وازدادت حاجة أهل مكة بعد قصي, وقد تزايد عددهم, إلى الماء، ولم تعد "العجول" تكفي لتموينهم به، فاقتفى أولاده أثره في حفر الآبار، واعتبروا حفرها منقبة ومحمدة؛ لما للماء من أهمية لأهل هذا الوادي الجاف. وقد حازت بئر زمزم على المقام الأول بين آبار مكة، فهي بئر البيت وبئر الحجاج, تمونهم مما يحتاجون إليه من ماء٣.

وذكر أهل الأخبار أن في جملة ما أحدثه قصي في أيامه وصار سنة لأهل الجاهلية، أنه أحدث وقود النار بالمزدلفة؛ حيث وقف بها حتى يراها من دفع من عرفة، فلم تزل توقد تلك النار تلك الليلة في الجاهلية٤. ويظهر أن قريشا حافظت على هذه السنة أمدًا في الإسلام, وكانت تلك النار توقد على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان٥.

ويذكرون أيضا أن في جملة ما أحدثه: "الرفادة"، وهي إطعام الحجاج في أيام موسم الحج حتى يرجعوا إلى بلادهم. وقد فرضها على قريش إذ قال لهم: "يا معشر قريش, إنكم جيران الله وأهل مكة وأهل الحرم، وإن الحاج ضيف الله وزوار بيته، وهم أحق بالضيافة، فاجعلوا لهم طعامًا وشرابًا أيام الحج، حتى يصدروا عنكم". ففعلت قريش ذلك، فكانوا يخرجون في كل عام من أموالهم خرجًا, فيدفعونه إلى قصي؛ لكي يصنعه طعاما للناس أيام منى وبمكة, وقد بقيت هذه السنة في الإسلام٦. وذكر أن الرفادة شيء كانت


١ البلاذري، فتوح البلدان "ص٦٠"، "المكتبة التجارية".
٢ البلاذري، فتوح "٦٠", وفيها قال بعض رُجَّاز الحجاج:
تروى على العجول ثم تنطلق ... أن قصيا قد وفى وقد صدق
بالشبع للناس وري مغتبق
البلاذري، أنساب "١/ ٥٠", "دار المعارف".
٣ البلاذري، فتوح البلدان "ص٦٠ وما بعدها".
٤ الطبري "٢/ ٢٦٥", ابن الأثير، البداية "٢/ ٢٠٧", السويدي، سبائك الذهب "١١٩"، ابن سعد, طبقات "١/ ٧٢" "بيروت".
٥ ابن سعد، طبقات "١/ ٧٢" "صادر".
٦ ابن كثير، البداية "٢/ ٢٠٧ وما بعدها", ابن خلدون "٢/ ٦٩٣" "بيروت", الطبري "٢/ ١٩" "الاستقامة" "٢/ ٢٦٠" "دار المعارف", ابن سعد، الطبقات "١/ ٧٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>