للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تترافد به قريش في الجاهلية، فيستخرج فيما بينها كل إنسان مالًا بقدر طاقته وتشتري به للحاج طعامًا وزبيبًا للنبيذ، فلا يزالون يطعمون الناس حتى تنقضي أيام موسم الحج١.

وكانت إلى قصي أيضا: الحجابة، والسقاية, واللواء؛ فحاز شرف قريش كله٢, وصار رئيسها الوحيد المطاع، الناطق باسمها, الآمر والناهي، إذ لا أحد أحكم وأعقل وأحسن إدارةً للملك منه.

وذكر أن قصيا أول من أصاب الملك من قريش بعد ولد إسماعيل، وذلك في أيام المنذر بن النعمان ملك الحيرة، وملك الفرس الساسانيين "بهرام جور"٣. وقد كان حكم "بهرام جور" من سنة "٤٢٠م" حتى سنة "٤٣٨م"٤، أي: في النصف الأول من القرن الخامس للميلاد، وإذا أخذنا برواية من جعل قصيًّا من المعاصرين لهذا الملك، يكون حكم قصي إذن في النصف الأول من القرن الخامس للميلاد.

وقد نسب أهل الأخبار إلى قصي أقوالا وأمثالا وحكما وجعلوه غاية في الحكمة والمنطق. ورُوي: "إن أمر قصي عند قريش دين يعملون به, ولا يخالفونه"٥.

وقد ترك قصي أثرا كبيرا في أهل مكة، وعدوه المؤسس الحقيقي لكيان قريش, وكانوا يذكرون اسمه دائما بخير، وكانوا لا يطيقون سماع أحد يستهين بشأنه, فلما تطاول الشاعر "عبد الله بن الزِّبَعْرَى"، على ما جاء في بعض الروايات، وتجاوز حده بذكر قصي بسوء في شعر له، كتبه كما يقولون في أستار الكعبة، غضب بنو عبد مناف، واستعدوا عليه "بني سهم"؛ لأنه كان من "بني سهم"، فأسلموه إليهم، فضربوه وحلقوه شعره وربطوه إلى


١ تاج العروس "٢/ ٣٥٥"، "رفد".
٢ ابن الأثير، الكامل "٢/ ١٣ وما بعدها"، الأزرقي، أخبار مكة "١/ ٦١", ابن كثير, البداية والنهاية "٢/ ٢٠٧".
٣ بلوغ الأرب "١/ ٢٤٧".
٤ Ency.,٤, p. ١٧٨.
٥ أنساب الأشراف، للبلاذري "١/ ٥٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>