للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مؤكدًا على التناصر وألَّا يتخاذلوا، ثم أخرج لهم بنو عبد مناف جفنة ثم خلطوا فيها أطيابًا وغمسوا أيديهم فيها وتعاقدوا, ثم مسحوا الكعبة بأيديهم توكيدًا فسُمُّوا المطيبين. وتعاقدت بنو عبد الدار وحلفاؤها, وهم ست قبائل: عبد الدار وجمح ومخزوم وعدي وكعب وسهم, حلفًا آخر مؤكدًا، فسموا بذلك الأحلاف١.

وقيل: بل قدم رجل من بني زيد لمكة معتمرًا ومعه تجارة اشتراها منه رجل سهمي, فأبى أن يقضيه حقه فناداهم من أعلى أبي قبيس، فقاموا وتحالفوا على إنصافه، وكان النبي من المطيبين لحضوره فيه، وهو ابن خمس وعشرين سنة, وكذلك أبو بكر، وكان عمر أحلافيا لحضوره معهم٢.

وقد وهم بعض أهل الأخبار فجعلوا حلف المطيبين هو حلف الفضول، ويظهر أنهم وقعوا في الخطأ من كون الذين دعوا إلى عقد حلف الفضول وشهدوه هم من "المطيبين"، فاشتبه الأمر عليهم، وظنوا أن الحلفين حلف واحد. وقد رد عليهم بعض أهل الأخبار أيضا, إذ ذكروا أن الرسول لم يدرك حلف المطيبين؛ لأنه كان وقع بين بني عبد مناف، وهم هاشم وإخوته ومن انضم إليهم, وبين بني عمهم عبد الدار وأحلافهم، فقيل لهم الأحلاف، قبل أن يولد الرسول٣.

أما أن الحلفين قد عقدا في أيام "عبد الله بن جدعان" فخطأ، فقد أجمع أهل الأخبار على أن بني عبد مناف كانوا يَلُونَ الرفادة والسقاية قبل هذا العهد، وأن "هاشمًا" كان يليهما في حياته، وأما أنهما وقعا في أيام "هاشم" أو في أيام أبنائه، فإن ذلك أقرب إلى المنطق، وذلك فيما إذا أخذنا برواية من يقول: إن "قصيًّا" أوصى بالرفادة والسقاية واللواء والحجابة ودار الندوة إلى ابنه "عبد الدار", وحرم بذلك ابنه "عبد مناف" من كل شيء, بحجة أنه كان غنيا وجيها, وقد ساد في حياة أبيه, فلا حاجة له به إليها، فتأثر هاشم أو أبناؤه من ذلك, فأجمعوا على انتزاعها من أيدي "بني عبد الدار" وحدث ما حدث، وتولى هاشم الرفادة والسقاية على النحو المذكور٤.


١ تاج العروس "١/ ٣٥٩ وما بعدها", العمدة "٢/ ١٩٤"، البلاذري, أنساب "١/ ٥٦ وما بعدها", ابن سعد, طبقات "١/ ٧٧".
٢ تاج العروس "١/ ٣٦٠".
٣ السيرة الحلبية "١/ ١٥٦".
٤ "ولما صارت الرفادة والسقاية لهاشم، كان يخرج من ماله كل سنة للرفادة مالًا عظيمًا"، البلاذري, أنساب "١/ ٦٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>