للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمقلين، حتى من كان عنده جملة نساء تؤخذ منه لتعطى لغيره من المحتاجين، فهي على هذا التعريف فكرة اشتراكية متطرفة عارضت النظم الاجتماعية القائمة، وهددت الدين القائم، وجرَّأت العامة على تلك الطبقات، كان الملك في حاجة إليها للانتقام ممن عارضه فأيدها١.

هذا وحيث إننا قد تعلمنا من التجارب التي تجري في الوقت الحاضر, ومن دراستنا للموارد التأريخية القديمة، أن ما يكتب عن قوم غضب الحاكمون عليهم، لا يمكن أن يكون مرآة صافية يعبر عن وجه أولئك القوم وعن ملامحهم الحقيقية؛ لذا فإننا لا نستطيع أن نقول: إن ما وصل إلينا عن المزدكية يمثل رأيها وعقيدتها تمام التمثيل، إذ يجوز أن يكون منه ما هو مصنوع موضوع حمل عليهم، وأن رواة الأخبار قد غرفوا منه، ودونوه على نحو ما وصل إلينا في كتبهم. لذلك يجب الانتباه إلى هذه الملاحظة.

وحمل عدل الملك الساساني وحلمه وتسامحه مع رعيته ومساعدته للخارجين على الكنيسة الرومية الرسمية "من الفلاسفة والمثقفين بالثقافة الإغريقية القديمة ممن كانوا هدفًا لهجمات الكنيسة الأرثوذكسية في الإمبراطورية البيزنطية" على الهجرة إلى المملكة الساسانية، طامعين في عدل الملك وحمايته، وفي بيئة تكون فيها الحرية الفكرية مكفولة مضمونة، لا ضغط فيها ولا إكره. ولكنهم ما لبثوا أن وجدوا أن الزردشتية التي نصرها وأيدها "كسرى أنوشروان"، وهي ديانة المملكة غير ملائمة للفلسفة، وأنها ليست أرحب صدرًا من "الأرثوذكسية"، وأنهم لم يكونوا على صواب بمجيئهم إلى هذه الأرض, فرجوا من "ملك الملوك" الترفق بهم، بالسماح لهم بالعودة إلى بلادهم. فلما كانت الهدنة، طلب "كسرى" من قيصر في سنة ٥٤٩م إباحة العودة إلى ديارهم والتلطف بهم والعفو عما بدر منهم من الذهاب إلى مملكته٢.


١ الطبري "٢/ ٨٧ وما بعدها".
Noldeke, Geschichte der Perser, S. ٤٥٥, A. Christensen, Le Ragne du Roikawadh I et le Communisme Mazdakite In der Kongl. Danske Viedenskalernes Selskab. Copenhagen. ١٩٣٥.
٢ H. G. Wells. The outlind of History, P. ٥٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>