للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأهلها١. ولهذه الخشونة التي خلقتها طبيعة البادية في الأعرابي، وهو لا دخل له بها الطبع، كما أنه لا يشعر بها ولا يرى أن فيه شيئًا منها، كان العرب إذا تحدثوا عن شخص فيه عنجهية وخشونة، قالوا عنه: فيه أعرابية، كالذي ذكروه مثلًا عن "عيينة بن حصن الفزاري"، من أنه كان أحمق مطاعًا، دخل على النبي من غير إذن وأساء الأدب فصبر النبي "على جفوته وأعرابيته"٢. إلى غير ذلك من نعوت تصف الأعرابي بالغلظ والقسوة والأنانية وما شاكل ذلك من نعوت تحدثت عنها في الجزء الأول من هذا الكتاب. وهي حاصل هذا المحيط الذي وُلد فيه وعاش، والظروف التي ألمت به، فعزلته عن العالم الخارجي، وأبعدته عن التحسس بتنوع مظاهر الطبيعة وبتغيرها، فلم يرَ الثلج في حياته وهو يتساقط من السماء، ولم يتعود على رؤية الأمطار وهي تتساقط عليه على نحو ما يقع في عالم أوروبا أو في البلاد الحارة ذات الأمطار الموسمية الواضحة، حتى يستفيد منها في استغلال أرضه، ولم تعطِه الطبيعة أنهارًا ومياهًا جارية، إلى غير ذلك من أمور تحدثت عنها أثناء كلامي على العقلية العربية, في الجزء الأول من هذا الكتاب.

ووصف الأعرابي بالجهل، بل بالجهل المطبق. فهو وثني ولكنه لا يفهم شيئًا من أمور الوثنية، وهو نصراني، لكنه نصراني بالاسم، لا يعرف عن النصرانية في الغالب شيئًا، وهو مسلم ولكنه لا يعرف عن الإسلام إلا الاسم. ونجد في كتب أهل الأخبار والأدب قصصًا مضحكًا يمثل هذا الجهل الذي رُمي به الأعراب في بعضه حق بعض وفي بعضه باطل؛ لأنه موضوع حمل عليهم حملًا للانتقاص منهم وليكون قصصًا وتفكهةً وتسلية يتسلى بها الحضر في مجالسهم, في أثناء قتلهم للوقت.

وهو حقود، لا يرى أن يغفر ذنب من أساء إليه, بل يظل في نفسه حاقدًا عليه حتى يأخذ بثأره منه. "قيل لأعرابي: أيسرك أن تدخل الجنة ولا تسيء إلى من أساء إليك؟ فقال: بل يسرني أن أدرك الثأر وأدخل النار"٣.

ويذكر أن الرسول كان يميز بين الأعراب وبين البادية، وهم الذين كانوا


١ تاج العروس "٢/ ٢٠٢"، "قح".
٢ تاج العروس "٦/ ٤٥"، "ألف".
٣ نهاية الأرب "٦/ ٦٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>