للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينزلون أطراف القارة "القارية" وحولهم. فلما أهدت "أم سنبلة" الأسلمية لبنًا إلى بيت رسول الله، أبت عائشة قبوله؛ لأن الرسول قد نهى أهله عن قبول هدية أعرابي. وبينما كانت أم سنبلة في بيته، دخل رسول الله، فقال: "ما هذا؟ " قالت عائشة: يا رسول الله، هذه أم سنبلة أهدت لنا لبنًا، وكنت نهيتنا أن نقبل من أحد من الأعراب شيئًا، فقال رسول الله: "خذوها، فإن أسلم ليسوا بأعراب، هم أهل باديتنا"١. ويفهم من هذا الخبر، أن الرسول فرق بين العرب البادية المقيمين حول "القارية" أهل الحاضرة، الذين هم على اتصال دائم بالحضر، وبين الأعراب، وهم البادون البعيدون عن أهل الحواضر، وهم الذين نهى الرسول عن قبول هدية منهم؛ وذلك بسبب جفائهم على ما يظهر ولأنهم لا يهدون شيئًا إلا طمعوا في رد ما هو أكثر منه لغلظ معاشهم وضيق تفكيرهم, وآية ذلك ما ورد عنهم في القرآن الكريم.

فأهل البادية المجاورون للحضر أخف على النفس من الأعراب، لتأثرهم بحياة الحضر, ولعل منهم من شارك أهل الحضر في التعاطي والتعامل. ونرى أهل الأخبار يروون أن أهل القرى كانوا أصحاب زرع ونخيل وفواكه وخيل وشاء كثير وإبل، يقيم حولهم أناس بادون, كالذي كان حول مكة ويثرب والطائف وقرى الحجاز واليمن وغير ذلك، فإن هؤلاء لم يكونوا أعرابًا أي: بدوًا صرفًا, هجروا الحواضر وأقاموا في البوادي البعيدة، بل هم وسط بين الحضر وبين الأعراب. فأخلاقهم ألين من أخلاق الأعراب وأرق, ويمكن الاعتماد عليهم نوعًا ما، بينما لا يمكن الركون إلى قول أعرابي.

وقد بلغ من استعلاء الحضر على أهل البادية، أن الأعراب لما أرادوا التسمي بأسماء المهاجرين قبل أن يهاجروا، منعوا من ذلك، فأعلموا أن لهم أسماء الأعراب لا أسماء المهاجرين، وعليهم التسمي بها٢.

والأعراب أهل منة، إذا فعلوا معروفًا بقوا يتحدثون عنه، ويمنون بصنعه على من قدموه له, وهم يريدون منه صنع أضعاف ما صنعوه له. وهم خشنون إذا تكلموا رفعوا أصواتهم, وقد وبهخم القرآن وأنبهم لفعلهم هذا, فجاء فيه:


١ ابن سعد، الطبقات "٨/ ٢١٥".
٢ تفسير الطبري "٢٦/ ٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>