وزنًا ولا تعطي أهمية للعقود في مثل هذه المواقف, إن رأت هواها في القتال قد تغير وتحول، وأن الأمن في كسب مغنم قد تضاءل، انسحبت منه بعذر قد يكون تافهًا وبغير عذر أيضًا. وقد لا تنسحب، وإنما تبدل الجبهة، بأن تذهب إلى الجانب الآخر فتحارب معه، وتقاتل عندئذ من كانت تقاتل معه؛ لأنها وجدت أن الربح من هذا الجانب مضمون، وأن ما ستناله منه من فائدة أكثر. وذلك بعد مفاوضات سرية تجري بالطبع, وهذا ما أزعج الروم والفرس وجعلهم لا يطمئنون إلى قتال العرب معهم وفي صفوفهم، فرموهم بالغدر، فكانوا إذا كلفوهم بالحرب معهم عهدوا إليهم القيام فيها بأعمال حربية ثانوية، أو الانفراد بحرب الأعراب الأعداء الذين هم من أنصار الجانب الآخر. فقد حدث مرارًا أن هرب الأعراب من ساحة القتال حين سعرت نار الحرب، وارتفع لهيبها، فأحدث هروبهم هذا ارتباكًا في جانب من كان يقاتلون معه, أدى إلى هزيمته هزيمة منكرة، لما أحدثه فرارهم هذا من فجوة في صفوف المقاتلين، وقد أشارت إلى هذه الحوادث مؤلفات الكتاب اليونان واللاتين.
وهو صارم عبوس، إذا ضحك ضحك بقدر، وكأنه يدفع بضحكته هذه ضريبة فرضت عليه. يكره الدعابة، ويرى فيها تبذلًا لا يليق صدوره من إنسان كريم، بقي هذا شأنه حتى في الإسلام فلما وصف "أبو عبد الله المصعب بن عبد الله بن المصعب الزبيري""عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق" قال عنه: "كان امرأً صالحًا. وقد كانت فيه دعابة"١, حتى إن من العلماء من عد "الدعابة" من الشوائب التي تنقص المروءة، وتؤثر في صاحبها، وتطعن فيه، فلا تجعله أهلًا لأن يؤخذ عنه الحديث، أي جعلوه شخصًا غير موثوق به.
وقد بحث "غوستاف لبون" و"رينان" و"الأب لامانس" في عقلية الأعرابي، وما رأوه فيه من وجود "فردية" متطرفة عنده، إلى درجة تجعله يقيس كل شيء بمقياس الفائدة التي يحصل عليها من ذلك الشيء. ثم ما وجدوه فيه في الوقت نفسه من خوفه من الإمعان في القسوة، ومن الإمعان في القتل، لما يدركه من رد الفعل الذي سيحدث عند أعدائه ضده إذا تمكنوا منه، ومن