للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نتائج الأخذ بالثأر. كما بحثوا عن ميل الأعرابي إلى المبالغة؛ المبالغة في كلامه والمبالغة في إعطائه إذا أعطى، والمبالغة في مدح نفسه، والتباهي بشجاعته وبكرمه وبشدة صبره إلى غير ذلك، مع وجود تناقض فيه بالنسبة إلى دعاويه هذه. وهو يحب المديح كثيرًا, وهو على حد قولهم إذا أعطى، صور ذلك غاية الجود، وبالغ فيه، ويظل يذكره في كل وقت ويحب أن يطرى عليه، لا سيما إذا كان من شاعر وهو صحافي ومذيع ذلك الوقت١.

وللفوارق الموجودة بين العرب والأعراب، بين الحضر وبين أهل البوادي رأى "الأزهري" وجوب التفريق بين الاثنين. إذ قال: "والذي لا يفرق بين العرب والأعراب والعربي والأعرابي، ربما تحامل على العرب، بما يتأوله في هذه الآية. وهو لا يميز بين العرب والأعراب, ولا يجوز أن يقال للمهاجرين والأنصار أعراب، إنما هم عرب؛ لأنهم استوطنوا القرى العربية، وسكنوا المدن, سواء منهم الناشئ بالبدو ثم استوطن القرى, والناشئ بمكة ثم هاجر إلى المدينة. فإن لحقت طائفة منهم بأهل البدو بعد هجرتهم واقتنوا نعمًا ورعوا مساقط الغيث بعد ما كانوا حاضرة أو مهاجره، قيل: قد تعربوا أي: صاروا أعرابًا بعد ما كانوا عربًا, وفي الحديث تمثل في خطبته مهاجر ليس بأعرابي؛ جعل المهاجر ضد الأعرابي، قال: والأعراب، ساكنو البادية من العرب الذين لا يقيمون في الأمصار ولا يدخلونها إلا لحاجة. وقال أيضًا: المستعربة عندي قوم من العجم دخلوا في العرب فكانوا بلسانهم وحكوا هيئاتهم وليسوا بصرحاء فيهم. وتُعربوا مثل استعربوا"٢. وقد ذهب هذا المذهب "ابن خلدون", إذ رأى أن الأعراب يختلفون عن العرب؛ ولذلك فإن ما أشار إليه "ابن خلدون" من أن العرب إذا دخلوا بلدًا أسرع إليه الخراب إنما قصد به الأعراب, لا العرب الحضر.

ولكي نكون منصفين في الأحكام عادلين غير ظالمين علينا التفريق بين الأعراب وبين العرب, فما يقال عن الأعراب يجب ألا يتخذ قاعدة عامة تطبق على العرب؛ لما بين العرب والأعراب من تباين في الحياة وفي النفسية والعقل. ثم علينا لكي


١ المشرق, عدد "٢" سنة ١٩٣٢ "ص١٠١ وما بعدها".
٢ تاج العروس "١/ ٣٧١"، "عرب".

<<  <  ج: ص:  >  >>