نكون منصفين أيضًا أن نفرق بين عرب وعرب؛ لما أصاب عرب كل أرض من أرض العرب من أثر تركه الأجانب فيهم، ومن امتزاج الأعاجم في العرب ودخولهم فيهم واندماجهم بهم حتى صاروا منهم تمامًا. والامتزاج والاندماج يؤثران بالطبع في أخلاق أهل المنطقة التي وقعا فيها, أضف إلى ذلك عوامل البيئة والمحيط؛ ولهذا يرى المرء تباينًا بينًا بين عرب كل قطر، تباينًا يلمسه حتى الغريب. فبين أهل العراق وأهل بلاد الشام العرب تباين وفروق في الملامح الجسمية وفي المظاهر العقلية والاجتماعية وغيرها, مع أنهم جميعا عرب يفتخرون بانتسابهم إلى العروبة، وبين عرب العربية الجنوبية وبين عرب عالية نجد فروق واضحة جلية, هكذا قل عن بقية بلاد العرب. بل نجد هذا التباين أحيانًا بين أجزاء قطر واحد, فإذا كان هذا هو ما نراه ونلمسه في الجاهلية وفي الإسلام، فهل يجوز لأحد التحدث عن عقلية عامة جامعة تشمل كل العرب؟!
وقد أدرك المتقدمون علينا بالزمن اختلاف العرب في الصفات والشمائل، فتحدثوا عن "حلم قريش"، وعن لينها ورقة ذوقها وعن براعتها في التجارة, وتحدثوا عن عمق تفكير أهل اليمن وعن اشتهارهم بالحكمة، حتى قيل: الحكمة يمانية. وورد أن "علي بن أبي طالب" لما وافق على اختيار "أبي موسى الأشعري" ليكون ممثله في التحكيم، قال له "أبو الأسود الدؤلي": "يا أمير المؤمنين لا ترض بأبي موسى، فإني قد عجمت الرجل وبلوته، فحلبت أشطره، فوجدته قريب القعر، مع أنه يمان"١.