راسخ، ولها نسب مشترك يتصل بأب واحد هو أبعد الآباء والجد الأكبر للقبيلة. فالرابط الذي يربط بين أبناء القبيلة ويجمع شملها ويوحد بين أفرادها هو "الدم"، أي النسب، والنسب عندهم هو القومية ورمز المجتمع السياسي في البادية. والقبيلة هي الحكومة الوحيدة التي يفقهها الأعرابي, حيث لا يشاهد حكومة أخرى فوقها. وما تقرره حكومته هذه من قرارات يطاع وينفذ، وبها يستطيع أن يأخذ حقه من المعتدي عليه.
وهذه النظرة الخاصة بتعريف القبيلة, هي التي حملت أهل الأنساب والأخبار على إطلاق لفظة "القبيلة" على الحضر أيضًا, مع أنهم استقروا وأقاموا. فقريش عندهم قبيلة، والأوس والخزرج قبيلة، وثقيف قبيلة؛ ذلك لأن هؤلاء الناس وإن تحضروا واستقروا وأقاموا وتركوا الحياة الأعرابية، إلا أنهم بقوا رغم ذلك على مذهب أهل الوبر ودينهم في التمسك بالانتساب إلى جد أعلى وإلى أحياء وبطون, وفي إجابة النخوة والعصبية، وما شابه ذلك من سجايا البداوة، فعدوا في القبائل، وإن صاروا حضرًا وأهل قرار، وقد طلقوا التنقل وانتجاع الكلأ.
وتشارك الشعوب السامية العرب في هذه النظرة؛ لأن نظامها الاجتماعي القديم هو كالنظام العربي قائم على القبيلة, والقبيلة عندها جماعة من بيوت ترى أنها من أصل واحد، وقد انحدرت كلها من صلب جد واحد. فهم جميعًا أبناء الجد الذي تتسمى به القبيلة، وهم مثل العرب في النداء وفي النسب, قد يذكرون الاسم فقط, فيقولون مثلًا: أدوم ومؤاب وإسرائيل ويهوذا، أو أبناء إسرائيل وأبناء يهوذا، وبنو إسرائيل وبنو يهوذا، وقد يقولون: بيت إسرائيل وبيت يوسف وبيت خمرى وبيت أديني بمعنى أبناء المذكورين، تمامًا كما نقول: غسان، وآل غسان، وأبناء غسان, وأولاد غسان, ومن غسان، وغساني، وما شاكل ذلك، ويريدون بها شيئًا واحدًا، وهو النسب، أي: الانتماء إلى جد واحد, به تسمى القبيلة وإليه يرجع نسبها.
وهم يشعرون كالعرب أن أبناء القبيلة هم إخوة وهم من دم واحد, ومن لحم ودم ذلك الجد. وهم يخاطبون بعضهم بعضًا بقولهم:"أنت من لحمي ودمي", وفي التوراة أمثلة عديدة من هذا القبيل. فلما ذهب "أبو مالك بن