للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يربعل" إلى عشيرة أمه خاطب أبناءها بقوله: "أيما خير لكم! أن يتسلط عليكم سبعون رجلًا جميع بني يربعل، أم أن يتسلط عليكم رجل واحد, واذكروا أني أنا عظمكم ولحمكم"١. وقد اعتبر "داود" جميع أبناء عشيرته إخوة له٢, وخاطب "شيوخ يهوذا" بقوله: "أنتم إخوتي، أنتم عظمي ولحمي"٣. فأبناء القبيلة هم إخوة من دم واحد, يسري في أجسامهم جميعًا ما دامت القبيلة حية باقية. ووحدة الدم هذه هي الرابط الذي يجمع شمل القبيلة, وهي صلة رحم، وعصبية، والحكومة الصحيحة التي يجب أن تطاع.

والعربي مثل بقية الساميين لم يفهم الدولة إلا أنها دولة القبيلة, وهي دولة صلة الرحم التي تربط الأسرة بالقبيلة، دولة العظم واللحم، دولة اللحم والدم, أي: دولة النسب. فالنسب هو الذي يربط بين أفراد الدولة ويجمع شملهم، وهو دين الدولة عندهم وقانونها المقرر المعترف به. وعلى هذا القانون يعامل الإنسان، وبالعرف القبلي تسير الأمور، فالحكام من القبيلة، وأحكامهم أحكام تنفذ في القبيلة، وإذا كانت ملائمة لعقلية القبيلة والبيئة، وهذا هو ما يحدث في الغالب, تصير سنة للقبيلة، نستطيع تسميتها بـ"سنة الأولين". ووطن القبيلة هو بالطبع مضارب القبيلة حيث تكون، وحيث يصل نفوذها إليه، فهو يتقلص ويتوسع بتلقص وبتوسع نفوذ القبيلة.

وقد واجه المسلمون في أيام الفتوح صعوبة كبيرة في فتوحهم؛ بسبب العقلية القبلية وضيق أفقها، وعدم تمكنها من التخلص من مثلها الجاهلية بسهولة. فقد كان على القائد أن يقاتل عدوه بجيش يحارب على شكل كتل قبائل، تتكون كل كتلة من مقاتلي قبيلة واحدة، لا من جنود ينتمون إلى أمة هي فوق الكتل والقبائل. وكان على رأس كل وحدة مقاتلة رؤساء من القبيلة التي ينتمي إليها الجنود، وقد واجه الإمام "علي" صعوبة حينما حارب في معركة الجمل وفي معركة صفين وغيرها، إذ اشترطت عليه القبائل المحاربة، ألا تحارب إلا رجال قبيلتها الذين يكونون ضده، فالهمدانيون الذين معه يحاربون الهمدانيين الذين يحاربون مع خصمه. وهكذا فعلت بقية القبائل، للعصبية القبلية؛ لأنهم لم يكونوا يستطيعون رؤية قبيلة غريبة تفتك


١ سفر القضاة، الإصحاح التاسع، الآية ٢.
٢ صموئيل الأول، الإصحاح ٢٠, الآية ٢٩.
٣ صموئيل الثاني، الإصحاح التاسع عشر, الآية ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>