للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بإخوانهم من قبيلتهم، وهم ينادون بشعار العصبية، شعار القبيلة. أما هم فإن قاتلوا إخوانهم من قبيلتهم، فإن قتالهم هذا يختلف عن قتال الإخوة حين يقتتلون قتالًا قد يكون أشد ضراوة من قتال الغرباء، لا يلتفت فيه إلى وجود دم واحد بين المتقاتلين، وإلى أنهم من بيت أب وأم، يحتم عليهم التكتل والتعصب، إذ لا غريب هنا أمامهم في هذا القتال.

ولست بحاجة وأنا في هذا المكان، لتكرار قول سبق أن قلته في الجزء الأول من هذا الكتاب, من أن أسماء القبائل لا تعني بالضرورة أنها أسماء أجداد حقيقيين عاشوا وماتوا. فبينها كما سبق أن قلت أسماء مواضع، مثل غسان، وبينها أسماء أصنام مثل "بني سعد العشيرة", وبينها أسماء أحلاف مثل "تنوخ", وبينها نعوت وألقاب ... إلى آخر ذلك من أسماء قبائل وصلت إلى علم علماء الأنساب, فأوجدوا لها معاني واعتبروها أسماء رجال حقيقيين تزوجوا ونسلوا ومنهم من كان عاقرًا فلم ينسل، فذهب أثره، ولم تبق له بقية١.

والمفهوم من لفظة "القبيلة" في العادة: القبائل التي تتألف من عمائر وما وراء العمائر من أقسام. فإذا ذكرت القبيلة انصراف الذهن إلى آلاف من البيوت تجتمع تحت اسم تلك القبيلة. ولكن الناس يتجوزون في الكلام، وفي الكتابة أحيانًا فيطلقونها على عدد قليل من الناس, قد يبلغ ثلاثة نفر أو أربعة مثل: "بني عبد الله بن أفصي بن جديلة"، و"بني جساس بن عمرو بن خوية بن لوذان" من "بني فزارة"، و"كليب بن عدي بن جناب بن هبل"، و"بني شقرة" من تميم. وقد يطلقونها على أكثر من ذلك، ولكن على عدد قليل من الناس أيضًا، كأن يكون خمسين رجلًا أو ستين٢, وهذا الاستعمال، هو على سبيل التجوز لا الاصطلاح.

ويرى علماء العربية أن هناك تجمعات، هي في نظرهم أكبر حجمًا من القبيلة, أطلقوا عليها "الشعوب". فذكروا أن الشعوب فوق القبائل، ومثاله: بنو قحطان، وبنو عدنان، فكل منهما شعب, وما دونهما قبائل. وذهب بعض منهم إلى أن "الشعوب" للعجم، فإن الشعوب بالنسبة لهم، مثل القبائل


١ راجع الجزء الأول من كتابي "ص٢٩٤ وما بعدها".
٢ المحبر "ص٢٥٦"، "القبائل التي لا يزيد عددها".

<<  <  ج: ص:  >  >>