للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للعرب، ومنه قيل للذي يتعصب للعجم "شعوبي"، وقيل: بل هي للعرب وللعجم. والذي عليه أكثر علماء الأنساب أن الشعب أكبر من القبيلة، وأن الشعب أبو القبائل الذي ينتسبون إليه، أي: يجمعهم ويضمهم١.

ويظهر أن مرد هذا الاختلاف هو ما ورد في القرآن الكريم من قوله: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} ٢. فقدم "الشعوب" على القبائل, فذهب أكثر المفسرين والعلماء إلى أن هذا التقديم يعني أن الشعب أكبر من القبيلة، وأن الشعوب الجمَّاع والقبائل البطون، أو الشعوب الجمهور والقبائل الأفخاذ، أو الشعوب: النسب البعيد، والقبائل: دون ذلك، كقولك فلان من بني فلان، وفلان من بني فلان. وتأول بعض آخر هذا المعنى، فذهبوا إلى أن هذا التقديم أو التأخير، لا علاقة له بالكبر، أي: بحجم الشعب أو القبيلة، والآية لا تريد ذلك، وإنما تريد الأنساب، وأنها نزلت في بيان أن الإنسان لا بنسبه، وإنما بعمله. وعلى هذا, فإن الشعب في نظرهم دون القبيلة في الترتيب, والشعب بعد القبيلة في الدرجة٣.

وقد أخذ العلماء بالتأويل الأول للفظة "الشعب" حتى صار هذا المعنى هو المعنى المفهوم منها عند الناس في الإسلام، فهي إنما تعني اليوم جنسًا من أجناس البشر له خصائصه ومميزاته، كالشعب العربي والشعب اليوناني والشعب التركي والشعب البريطاني والشعب الأمريكي، وهكذا, أو جزءًا كبيرًا مستقلًّا من أجزاء أمة واحدة، كأن نقول: الشعب العراقي، والشعب السوري، والشعب السعودي، والشعب المصري، أي: وحدة جغرافية سياسية ذات كيان.

ولفظة "الشعب" من الألفاظ الواردة في نصوص المسند, وهي فيها بمعنى قبيلة، وتكتب "شعبن"، بمعنى "الشعب"، وحرف النون في أواخر الأسماء أداة للتعريف في العربيات الجنوبية. فهي إذن مرادف "قبيلة" بالضبط, والجمع "أشعب"، أي "شعوب". ورد "سباواشعبهمو"، أي "سبأ وشعوبهم",


١ تاج العروس "١/ ٣١٨"، الخوارزمي، مفاتيح العلوم "٧٤".
٢ سورة الحجرات، السورة رقم ٤٩، آية ١٣، تفسير الطبري "٢٦/ ٨٨", تفسير الألوسي "٢٦/ ١٤٧".
٣ تفسير الطبري "٢٦/ ٨٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>