يختلفون عنهم في المدارك وفي حدة الذهن. وهذا الاختلاف هو شيء واقعي بين العيون، يراه كل إنسان حين يزور بلاد العرب، وهو في حد ذاته شاهد على فساد نظرية المستشرقين في تقسيم العرب إلى مجموعتين.
وبعد، فهذه الطبيعة طبيعة جزيرة العرب؛ من جو وأرض، من انحباس مطر ومن ارتفاع في درجات الحرارة, ومن يبوسة في الهواء، وقلة في الرطوبة, ومن اختلاف في ضغط الجو اختلافًًا يخل بتوازنه فيثير فيه أعاصير وعواصف، تعتدي على حرمة التربة الهادئة الراقدة، فترتفع رمالها إلى ارتفاعات متباينة، وتلفح الأوجه والأجسام بـ"سموم" وبما شاكله من أهوية مزعجة تثير الغضب وتلهب العصب، وتجعل الجو داكنًا أظلم مغبرا. أضف إلى ذلك ما نراه من نور ساطع وأشعة لامعة تحمل أمواجًا غير مرئية تؤثر في خلايا البشرة وفي النفس، ثم هذه الرطوبة المفرطة المتحكمة في التهائم، وهذه الندرة في الأنهار، والإسراف في ظهور البوادي والصحاري، وتحكم الطبيعة تحكمًا جائرًا في توزيع النبات والحيوان على أهل جزيرة العرب, كل هذه الأمور وأمثالها أثرت أثرًا كبيرًا في نفس أهل جزيرة العرب، وفي شكل أجسامهم، وفي حالة معيشتهم, فجعلتهم يختلفون عن غيرهم بأمور، ويتباينون فيما بينهم بأمور، وذلك لاختلاف طبيعة أجزاء الجزيرة نفسها. ونحن لن نستطيع فهم العرب فهمًا صحيحًا دقيقًًا إلا إذا درسنا هذه الأمور المذكورة وأمثالها دراسة علمية دقيقة؛ وعندئذ فقط نستطيع فهم سبب تفشي البداوة بين العرب، وسبب تطبع العرب بطباع خاصة, واتسامهم بسمات وعلامات خاصة وبملامح ومظاهر جسمية متباينة، وأمثال ذلك مما تعرضت له في بحث الجنس والسامية، وفي بحث طبيعة العقلية العربية، وما قيل في حقها من أقوال، وما ورد في العرب من مدح أو ذم, ومن وصف صادق أو كاذب.