جديدة. وتكاد تكون أكثر أسباب هجرات القبائل وارتحالها من أماكنها إلى أماكن أخرى هي الأسباب المذكورة.
وطراز حياة القبائل في جزيرة العرب باستثناء العربية الجنوبية، متشابه، بحيث يصعب أن نجد فروقًا واضحة ظاهرة بين القبائل التي ينسبها النسابون المسلمون إلى قحطان أو إلى عدنان، فهي متشابهة وعلى وتيرة واحدة. وأما اللغة، فإننا لا نجد فيما بين القبائل العدنانية والقحطانية أي خلاف يذكر على ما يظهر من روايات علماء اللغة، بل نجد أن لهجات القبائل القحطانية الشمالية هي لهجات عدنانية، مخالفة للهجات أهل اليمن المعروفة التي كانت سائدة في اليمن إلى ظهور الإسلام. فلهجات أهل اليمن من الحميرية وغيرها، بعيدة عن لهجات القبائل القحطانية والعدنانية بعدًا متساويًا، حتى بالنسبة إلى القبائل اليمانية التي غادرت اليمن في عهد متأخر، كما سأبحث عن ذلك فيما بعد، وفي القسم الخاص بلغات أهل الجاهلية. ولهذه الظاهرة أهمية كبيرة بالنسبة إلى دراسة اللغة والنسب عند العرب الجاهليين.
وعندي أن ما يذهب إليه المستشرقون من تقسيم العرب إلى عرب جنوبيين وعرب شماليين، هو تقسيم لا يمكن اعتباره تقسيمًا علميًّا؛ فإن ما نشاهده من فروق في الملامح والمظاهر بين أهل العربية الجنوبية من أهل اليمن وحضرموت ومسقط وعمان, وبين أهل الحجاز ونجد والعرب الشماليين الآخرين، وإن كان واضحًا ظاهرًا ولا مجال إلى نكرانه, إلا أن هذه الفروق لا يمكن اعتبارها مع ذلك حدًّا فاصلًا يقسم العرب إلى مجموعتين: مجموعة شمالية ومجموعة جنوبية، لسبب بسيط جدا سبق أن بينته في الجزء الأول من هذا الكتاب، وتحدثت عنه في مواضع أخرى منه، وهو أن كل مجموعة من المجموعتين لا تكون في نفسها وحدة متناسقة متجانسة، بل تتألف من مجموعات يختلف بعضها عن بعض في السحن وفي الملامح؛ بسبب عوامل الاتصال بالعالم الخارجي، وبسبب اختلاف الظروف الطبيعية التي يعيش فيها أفراد كل مجموعة. فأهل جبال اليمن والجبال المتصلة بها الممتدة إلى عمان، يختلفون اختلافًًا بينًا عن أهل السواحل والأرضين المنخفضة، ليس في الملامح والسحن فحسب، بل وفي العمل وفي النشاط وفي المدارك أيضًا. وأهل السراة في العربية الغربية يختلفون عن أهل تهامة وبقية ساحل البحر الأحمر، وأهل نجد يختلفون عن أهل ساحل الخليج. يختلفون عنهم في السحن والملامح كما