للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت على عادة العرب متنافسة متحاسدة متباغضة، ترى كل واحدة منها نفسها وكأنها أمة دون سائر الأمم، و"يمن" كناية عن العرب الجنوبيين من همدان وحمير وكندة وأمثالها، وأما قيس وربيعة ومضر، فكناية عن تكتلات وتجمعات العرب من غير اليمن.

وذهب "ابن حزم" إلى أن جميع العرب من أب واحد، سوى ثلاث قبائل هي: تنوخ، والعُتق، وغسان، فإن كل قبيلة منها مجتمعة من عدة بطون؛ وذلك أن تتوخًا اسم لعشر قبائل اجتمعوا وأقاموا بالبحرين، فسموا تنوخًا, والعتق: جمعٌ اجتمعوا على النبي، فظهر بهم فأعتقهم فسموا بذلك، وغسان عدة بطون نزلوا على ماء يسمى غسان فسموا به١.

ولما جاء "خالد بن الوليد" إلى العراق كان جيشه من "ربيعة" و"مضر"٢ ومن قبائل يمانية، ومعنى هذا وجود ثلاثة أركان قبائل محاربة. ولما قال "خالد بن الوليد" لـ"عدي بن عدي بن زيد العبادي: "ويحكم! ما أنتم! أعرب, فما تنقمون من العرب؟ أم عجم, فما تنقمون من الإنصاف والعدل؟ قال عدي: بل عرب عاربة وأخرى متعربة، فقال: لو كنتم كما تقولون لم تحادونا وتكرهوا أمرنا, فقال له عدي: ليدلك على ما نقوله أنه ليس لنا لسان إلا بالعربية، فقال: صدقت"٣. ولا تعني جملة "بل عرب عاربة وأخرى متعربة" معنى: أن العرب عربان، عرب عاربة وعرب متعربة، على النحو المفهوم منها عند أهل الأخبار. بل هي تعبر عن واقع أصل أهل الحيرة, فقد كان أهلها بين عرب صرحاء وبين عرب متعربة أي جماعة لم تكن عربية في الأصل, وإنما كانت من أصل عراقي وفارسي أقامت في الحيرة، وتأثرت بأهلها العرب فتكلمت العربية حتى صارت العربية لسانها، فهي من العرب المتعربة. وقد كان كل عرب العراق على هذا النحو في ذلك الوقت، فهم بين عرب خلص وبين عرب متعربة، لم تكن أصولها من منبت عربي، وإنما دخلت في العرب فتطبعت بطباعهم وأخذت لسانهم حتى نسيت ألسنتها القديمة، وصارت من العرب.


١ بلوغ الأرب "٣/ ١٩١".
٢ الطبري "٣/ ٣٤٧"، "مسير خالد إلى العراق وصلح الحيرة".
٣ الطبري "٣/ ٣٦١".

<<  <  ج: ص:  >  >>