للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكر بعض المؤرخين أن العرب من "نزار" ملكتهم الفرس, وأن العرب من غسان ملكتهم الروم١, فجعل "نزارًا" في مقابل غسان، ولم يكن كل عرب العراق من "نزار", يدلك على ذلك أن ملوك الحيرة على رأي أهل الأخبار من قحطان. والذي يلاحظ من كيفية توزيع القبائل على حسب رواية أهل الأخبار أن معظم قبائل العراق، هي من قبائل "نزار" أو من "ربيعة" و "مضر" بتعبير آخر. أما معظم قبائل بلاد الشام فهي من "يمن", أي على عكس الحال في العراق, فهل يمثل هذا التقسيم توزيعًا تأريخيًّا صحيحًا, بمعنى أن أكثر قبائل العراق، قد وردت العراق من العربية الشرقية والعربية الوسطى، أي: من سواحل الخليج ونجد، وأن عرب بلاد الشام إنما جاءوا إلى هناك من اليمن، عن طريق الحجاز ونجد؟ أم أنه تقسيم سياسي اصطلاحي، نشأ قبل الإسلام بعهد طويل من المنافسة التي كانت بين العراق وبلاد الشام، المنافسة التي ظلت باقية في الإسلام, فقد كان بين العراق وبين بلاد الشام عداء وتباغض، لعوامل لا مجال للبحث فيها في هذا المكان؟. وقد استولت حكومات العراق من حكومات وطنية وأجنبية على بلاد الشام مرارا، مما ولد مرارة وأوجد حقدًا بين أهل العراق وأهل الشام، فانتقل ذلك إلى عرب القطرين أيضًا. فحارب عرب العراق عرب بلاد الشام، حتى وصل هذا العداء إلى دعوى وجود فرق بين أصل عرب العراق وأصل عرب بلاد الشام, فصارت أكثر قبائل العراق في عرف أهل الأنساب من ربيعة ومضر ونزار، وصار معظم بلاد الشام في عرفهم من اليمن، قياسًا على ما كان عليه العرب عند ظهور الإسلام من أنصار ومهاجرين، أو من يمن وعدنان، أو قحطان وعدنان وما شابه ذلك من أسماء. أما رأيي، فإن لأهل الأخبار يدًا طولى في هذا التقسيم الذي ظهر وأينع في الإسلام، وإن الجاهلية لم تكن تخلو من تجمعات وتكتلات قبلية، ولكنها كانت تختلف عن التجمعات التي أثارتها النعرة القبلية الجديدة التي برزت في الإسلام، والتي أثرت على ظهورها عوامل عديدة إلى أن ثبتت ودونت في كتب أهل الأنساب والأخبار.

وجعل بعض أهل الأخبار العرب يمنًا ونزارًا، وذكر أن اليمن أصحاب بحر وبني نزار أصحاب بر٢. وقصدوا باليمن أصحاب الساحل، الذين عركوا البحر


١ المعاني الكبير "٢/ ٩٤١ وما بعدها".
٢ المعاني الكبير "٢/ ٦٤٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>