يكون رئيسًا على قبيلة, ولا نجد في روايات أهل الأخبار أخبارًا واضحة صريحة عن طريقة تولي الرئاسة عند الجاهليين. لذا لا نستطيع البتَّ في موضوع شروط انتقال الرئاسة من رئيس قبيلة متوفى أو مخلوع إلى رئيس جديد, وهل كانت الرئاسة وراثية على طريقة انتقال العروش في النظام الملكي، أم كانت اختيارًا وانتخابًا وشورًى, بمعنى أن اختيار الرئيس يكون برأي من رؤساء القبيلة، وليس بسنة الإرث؟. والذي ظهر لنا من دراسة أخبار أهل الأخبار في هذا الموضوع أن الجاهليين كانوا قد ساروا على سنة الإرث في تولي الرئاسة, كما ساروا على طريقة الاختيار.
أما أنها كانت رئاسة وراثية؛ فلأنها رئاسة مثل سائر الرئاسات عند العرب، كرئاسة المكربين والملوك والأقيال والأذواء والأقيان وكل الرئاسات الجاهلية الأخرى. وقد كانت هذه الرئاسات رئاسات وراثية في الأغلب؛ لذا كانت رئاسة القبيلة بالوراثة أيضًا, تنتقل الرئاسة من الأب إلى الابن الأكبر. ويؤيد هذا الاستنتاج ما نجده في أكثر روايات القبائل, وتولي الأبناء رئاستها بعد الآباء.
وأما أنها بالنص والتعيين، فكالذي ذكروه من أمر اختيار "حصن بن حذيفة بن بدر" ابنه "عيينة" لرئاسة قومه من بعده. ولم يكن عيينة أليق من غيره بأن يكون سيد قومه، فاستدعى أولاده وقال لعيينة: أنت خليفتي ورئيس قومك من بعدي. ثم قال لقومه "بني بدر": لوائي ورياستي لعيينة، ثم أوصاهم بما يجب أن يفعلوه على عادة السادات عند اشتداد المرض بهم وشعورهم بدنو أجلهم؛ من وجوب التكتل والتهيؤ للقتال وعدم التجرؤ على الملوك، فإن أيديهم أطول من أيدي الرعية، فسمعوا له وأطاعوا، واختاروه رئيسًا عليهم١.
وأما أنها شورى ورأي، فعند عدم وجود عقب للرئيس المتوفى، أو عند وجود تنافس وتباغض بين أبناء الرئيس المتوفى بسبب كونهم من زوجات مختلفات فيما بينهن، يخشى عندئذ من انقسام القبيلة على نفسها، ويحسم الخلاف باختيار أحزم الأبناء أو تنصيب رجل قريب أو بعيد عن الرئيس، يجدونه أهلًا وكفؤًا لتولي الرئاسة فيولونها إياه. وقد يلجئون إلى الرأي في حالة تشتت شمل القبيلة, بظهور رجال أشراف فيها, لهم كفاءات وقابليات وشهرة تفوق شهرة أسرة