للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إصلاح ما قد وقع بين رجال القبيلة من فساد, وتهدئة الحال حفظًا لمصلحة القبيلة. ونجد أمثلة من هذا القبيل عند أهل الأخبار.

ولم يكن من الواجب على كل أحياء قبيلة، الاشتراك في الأحلاف التي تعقدها غالبية أحياء تلك القبيلة، فقد اعتزلت "حنيفة" الحلف الذي عقدته قبائل "بكر" في الجاهلية؛ لأنها كانت من أهل المدر، وكان الحلف في أهل الوبر, فلما جاء الإسلام دخلت في "عجل"، وصارت لهزمة١.

وكان في العرف الجاهلي أن الأحياء التي تتحضر من قبيلة ما، لا تدخل في الأحلاف التي تعقدها الأحياء المتبدية؛ لاختلاف الحالة، لا سيما إذا كانت المواطن بعيدة. فالحضارة تبعد الأعراب عمن يتحضر منهم, إلا إذا وجدت مصالح خاصة، والمصالح أساس التعامل.

ونظرًا إلى ما للحلف من قدسية في النفوس، أصبح من المعتاد عقده في مراسيم مؤثرة ورد وصف بعضها في الأخبار، مثل حلف "المطيبين" الذي عقد في مكة بعد اختلاف بني عبد مناف وهاشم والمطلب ونوفل مع بني عبد الدار بن قصي، وإجماعهم على أخذ ما في أيدي بني عبد الدار مما كان قصي قد جعله فيهم من الحجابة واللواء والسقاية والرفادة، فعقد كل قوم على أمرهم حلفًا مؤكدًا, على ألا يتخاذلوا ولا يسلم بعضهم بعضًا "ما بَلَّ بحرٌ صوفةُ"، فأخرج بنو عبد مناف جفنة مملوءة طيبًا, فيزعمون أن بعض نساء بني عبد مناف أخرجنها لهم، فوضعوها لأحلافهم في المسجد عند الكعبة، ثم غمس القوم أيديهم فيها، فتعاقدوا وتعاهدوا هم وحلفاؤهم، ثم مسكوا الكعبة بأيديهم توكيدًا على أنفسهم، فسُموا المطيبين. وتعاقد بنو عبد الدار وتعاهدوا هم وحلفاؤهم عند الكعبة حلفًا مؤكدًا على ألا يتخاذلوا ولا يسلم بعضهم بعضًا، فسُموا الأحلاف٢.


١ النقائض "٧٢٨"، تاج العروس "٩/ ٦٩"، "لهزم".
٢ ابن هشام "١/ ١٤٣ وما بعدها"، ابن الأثير، الكامل "١/ ١٨٣"، الطبري "١/ ١١٣٨"، "ليدن"، اللسان "١٠/ ٤٠٠"، المعارف "٢٠٤" "طبعة وستنفلد"، اليعقوبي "١/ ٢٨٧" "هوتسما"، التنبيه "١٨٠", "طبعة الصاوي"، تاج العروس "٦/ ٧٥"، "حلف".

<<  <  ج: ص:  >  >>