للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندها، ودعوا بالحرمان والمنع من خيرها على من ينقض العهد ويحل العقد، وكانوا يطرحون فيها الملح والكبريت، فإذا استشاطت قالوا للحالف: هذه النار تهددتك، يخوفونه بها حتى يحافظ على العهد والوعد، ولا يحلف كذبًا ويضمر غير ما يظهر؛ ولذلك عرفت هذه النار بنار التحالف. وهي نار يقسم المتخاصمون عليها كذلك، فإن كان الحالف مبطلًا نكل، وإن بريئًا حلف ولهذا سموها أيضًا "نار المهوّل" و"الهولة"١, وذكر أنهم كانوا لا يعقدون حلفًا إلا عليها. وقد أشار إلى هذه النار "أوس بن حجر"، إذ قال:

إذا استقبلته الشمس، صد بوجهه ... كما صد عن نار المهوّل حالف

كما أشار إليها الكميت:

هُمُو خوَّفوني بالعمى هُوَّة الردى ... كما شب نار الحالفين المهوّل٢

وقد ذكر أهل الأخبار حلفًا سموه: "حلف المحرقين"، وزعموا أن المتحالفين تحالفوا عند نار حتى أمحشوا أي: احترقوا, وأن يزيد بن أبي حارثة بن سنان, وهو أخو هرم بن سنان الذي مدحه زهير، يمحش المحاش، وهم بنو خصيلة بن مرة وبنو نشبة بن غيظ بن مرة على بني يربوع بن غيظ بن مرة رهط النابغة، فتحالفوا على بني يربوع على النار، فسموا المحاشّ بتحالفهم على النار٣. وزعموا أن المحاش القوم يجتمعون من قبائل شتى، فيتحالفون عند النار٤.

وذكر علماء اللغة أن "المحاشن": القوم يجتمعون من قبائل يحالفون غيرهم من الحلف عند النار, وكانوا يوقدون نارًا لدى الحلف ليكون أوكد. وقد أشير إلى ذلك في شعر للنابغة، إذ يقول:

جمع محاشك يا يزيد، فإنني ... أعددت يربوعًا لكم، وتميما

قيل: يعني صرمة وسهمًا ومالكًا, بني مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض وضبة بن سعد؛ لأنهم تحالفوا بالنار، فسموا المحاش٥.


١ صبح الأعشى "١/ ٤٠٩"، اللسان "١١/ ٧٠٣"، سبائك الذهب، للسويدي "١١٩"، بلوغ الأرب "١/ ١٦٢".
٢ نهاية الأرب "١/ ١١١".
٣ اللسان "١٤/ ٢٣٨"، و"ورد غيط" و"غيظ".
٤ تاج العروس "٤/ ٣٨٤".
٥ اللسان "٦/ ٣٤٤ وما بعدها", "محش"، تاج العروس "٤/ ٣٤٨"، "محش".

<<  <  ج: ص:  >  >>