للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقريب من هذا ما كانت تفعله قريش حين تعقد حلفًا، فيأخذ الحليف حليفه إلى الكعبة، ثم يطوفان بالأصنام لإشهادها على ذلك، ثم يعود الحليف بحليفه لإشهاد قريش ومن يكون في الكعبة آنئذ على صحة هذا الحلف، وقبوله محالفة الحليف، إذ أصبح وله ما له وعليه ما عليه، وعلى قومه حمايته حمايتهم له. وقد ذكرت كتب السيرة والأخبار والأدب طرفًا من أخبار المحالفات التي كانت تعقد بمكة وكيفيتها وبعض المراسيم التي تمت فيها.

ولا تعرف صيغة واحدة معينة للقسم الذي يقسم به المحالفون. فمنهم من أقسم بالأصنام التي يعبدونها ويقفون عندها حين يعقدون الحلف, ومنهم، وهم أغلب أهل مكة، من كانوا يحلفون عند الركن من الكعبة، فيضع المتحالفون أيديهم عليه، فيحلفون. وقد ذكر أن قَسَم قريش والأحابيش عند الركن يوم تحالفوا وتعاقدوا، حلفوا "بالله القاتل وحرمة البيت والمقام والركن والشهر الحرام على مصر, على الخلق جميعًا, حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وعلى التعاقد والتساعد على من عاداهم من الناس ما بل بحر صوفة، وما قام حراء وثبير، وما طلعت شمس من مشرقها إلى يوم القيامة"١.

ومنهم من أقسم بالآباء والأجداد، لما لهم من مكانة ومقام في نفوسهم. ومنهم من حلف وعقد الحلف عند المشاهد العظيمة، أو في معابد الأصنام، أو عند قبور سادات القبائل المحترمين، فيحلفون بصاحب هذا القبر ويذكرون اسمه على التعاقد والتآزر أو على ما يتفق المتحالفون عليه، وعلى الوفاء بالعهد. وقد رُوي أن النبي أدرك "عمر" في ركب وهو يحلف بأبيه، فنادى رسول الله: "أما أن الله -عز وجل- ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم. من كان حالفًا، فليحلف بالله أو يصمت"٢.

وفي كتب أهل الأخبار والأدب أسماء قبائل يظهر أنها كانت أسماء أحلاف, عقدت في مراسيم خاصة، يمكن الوقوف عليها وتعيينها من دراستها والوقوف على معانيها، مثل الرباب والمحاش وما شاكل ذلك من أسماء.

ومن عاداتهم في عقد الأحلاف ما ذكرته من التحالف على الطيب أو النار أو


١ اليعقوبي "١/ ٢١٢".
٢ التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول، للشيخ منصور علي ناصف "٣/ ٧٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>