للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصابعهم في الطيب يلطعون أصابعهم أيضًا، وكان الذين يقسمون على الماء المقدس يشربون من ذلك الماء، وكان الذين يجرحون أيديهم ويعقدون الحلف يضعون راحتي المتحالفين اليمنيين إحداهما فوق الأخرى، إلى آخر ذلك من مظاهر توحي أن المتحالفين لم يكونوا قد فعلوا ذلك عبثًا ومن غير هدف ولا قصد، بل أرادوا من كل ذلك التأثير في المتحالفين, وجعلهم يشعرون بأن حلفهم هذا -أي قسمهم- على التحالف لتنفيذ ما اتفق عليه, قد صار جزءًا من جسمهم، وقد حل في دمهم كما يحل الدم والخبز في دم الجسم.

وتعقد الأحلاف الخطيرة المهمة أمام الأصنام وفي المعابد في الغالب؛ وذلك كي تكتسب قدسية خاصة. ويشرف على عقدها سادن الصنم، وقد يساعده مساعدون؛ ليقوموا بمساعدته في إتمام المراسيم.

ويكون بين قبائل الحلف سلم وود؛ لذلك يستطيع أبناء القبائل المتحالفة المرور بمواطن هذه القبائل غير خائفين، وتمر قوافلهم بأمان لا يُتعرض لها، ولا تجبى إلا على وفق ما اتفق عليه وجرت عليه عادة المتحالفين. وعلى أبناء هذه القبائل حماية من يجتاز بأرضهم وتقديم المساعدات له وإضافته ودفع الأذى عنه، وإذا وقع عليه اعتداء من قبائل غريبة فعليه مساعدته والذب عنه واستصراخ قومه لنجدته؛ لأنهم من حلف واحد, وعلى الإنسان أن يتعصب للحلف تعصبه لقبيلته.

ويلاحظ أن الأحلاف إذا طالت وتماسكت، أحدثت اندماجًا بين قبائل الحلف قد يتحول إلى النسب، بأن تربط القبائل والعشائر الضعيفة نسبها بنسب القبيلة البارزة المهيمنة على الحلف, وينتمي الأفراد إلى سيد تلك القبيلة البارزة, فتدخل أنسابها في نسب الأكبر. وفي كتب الأنساب والأدب أمثلة عديدة على تداخل الأنساب، وانتفاء قبائل من أنسابها القديمة ودخولها في أنساب جديدة.

ويؤدي انحلال الحلف أو انحلال عقد عشائر القبيلة الذي هو في الواقع حلف سمي "قبيلة", إلى انحلال الأنساب وظهور أنساب جديدة، فإن القبائل المنحلة تنضم إلى حلف جديد، فيحدث ما ذكرته آنفًا من تولد أنساب جديدة، ومن تداخل قبائل في قبائل أخرى, وأخذها نسبها. ومن هنا قال "جولد زيهر": إنه لفهم الأنساب عند العرب، لا بد من معرفة الأحلاف والتحالف, فإنها تكوِّن القبائل؛ لأن أكثر أسماء أجداد القبائل هي أسماء أحلاف، ضمت عددًا

<<  <  ج: ص:  >  >>