للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسلام وعند العرب في الإسلام كذلك، على الرغم من الحديث المنسوب إلى الرسول الذي يناهض الحلف: "لا حلف في الإسلام"١. وقد أدرك الرسول, ولا شك، ضررها بالمجتمع العربي إذ كانت من أسباب التفريق، فحل الأحلاف وأحل الدولة مكانها، وحتم على القبائل إطاعة الرسول أو من يقوم مقامه من المسلمين.

وأما ما رواه "قيس بن عاصم" من أن الرسول قال: "لا حلف في الإسلام، ولكن تمسكوا بحلف الجاهلية"، فالظاهر أنه قصد بذلك الجوار٢. وقد أكد الإسلام احترام الجار، ووجوب الدفاع عنه، كما أيد الأحلاف الجاهلية التي تدعو إلى الخير ونصرة الحق. أما الممنوع، فما خالف حكم الإسلام، ودعا إلى الهلاك والضرر والفتن والقتال، فذلك الذي ورد النهي عنه في الإسلام٣.

واستعمل الجاهليون لفظة "حبل"، و"حبال" للعهود والمواثيق؛ فـ"الحبل" هو العهد والذمة والأمان، وهو مثل الجوار. وكان من عادة العرب في الجاهلية أن يخيف بعضهم بعضًا، فكان الرجل إذا أراد سفرًا أخذ عهدًا من سيد كل قبيلة، فيأمن به ما دام في تلك القبيلة، حتى ينتهي إلى الأخرى، فيأخذ مثل ذلك أيضًا، يريد به الأمان. فهذا حبل الجوار، أي: ما دام مجاورًا أرضه. وفي هذا المعنى جاء قول الأعشى:

وإذا تجوَّزها حبال قبيلة ... أخذت من الأخرى إليك حبالها

وجاء في الحديث: "بيننا وبين القوم حبال"، أي: عهود ومواثيق. وفي هذا المعنى، أي: العهد والذمة والأمان، جاء:

وما زلت معتصمًا بحبل منكُمُ ... من حَلّ ساحتكم بأسباب, نجا٤


١ تاج العروس "٦/ ٧٥"، النهاية في غريب الحديث "١/ ٢٤٩"، اللسان "٩/ ٥٣"، الكامل، لابن الأثير "١/ ٢٦٧".
٢ الأغاني "١٢/ ١٥١".
٣ اللسان "١/ ٥٤"، النهاية في غريب الحديث "٣/ ١٤٣".
٤ اللسان "١١/ ١٣٤ وما بعدها"، تفسير الطبري "٤/ ٣٠"، روح المعاني للآلوسي "٤/ ١٧"، تفسير الرازي "٨/ ١٧٣"، جامع أحكام القرآن، للقرطبي "٤/ ١٥٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>