للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد استفادت قريش من "الحبال" التي عقدتها بينها وبين القبائل؛ إذ أمنت بذلك على تجارتها، وقد كانت واسعة تشمل كل جزيرة العرب، وتتصل بالعراق وببلاد الشام، فصارت قوافلها العامة والخاصة تمر بأمن وسلام من كل مكان, بفضل حنكة سادة مكة وذكائهم في تأليف قلوب سادات القبائل وربطهم بهم بعهود ومواثيق، جعلت التحرش بقوافلهم من الأمور الصعبة، وإذا طمع بها طامع أدبه سيد قبيلته الذي يخضع له.

ولقريش ولغيرها أحلاف مع أسر وأفراد. فقد كان لـ"بني دارم" من تميم حلف مع "بني عبد مناف" من قريش, وكان لـ"عكاشة بن محصن" حلف مع رجال من مكة. رُوي أن رسول الله قال: "منا خير فارس في العرب: عكاشة بن محصن", فقال ضرار بن الأزور الأسدي: ذاك رجل منا يا رسول الله, قال: "بل هو منا بالحلف", فجعل حليف القوم منهم كما جعل ابن أخت القوم منهم١. وكان للأخنس بن شريق، وهو رجل من ثقيف، وكذلك "يعلى بن منبه"، وهو رجل من "بلعدويَّة"، وكذلك "خالد بن عرفطة"، وهو رجل من عذرة -حلف مع قريش، فصاروا منها بالحلف؛ ذلك لأن "حليف القوم منهم، وحكمه حكمهم"٢.

وقد يقع أسير في أسر آسر، فلا يتمكن من فداء نفسه، ثم يطلب من آسره أن يكون حليفًا له، فإذا قبل آسره منه ذلك، صار في حلفه وفي حلف قبيلته, أي: يكون ذلك الشخص حليفًا لقبيلة آسره، ويكون حكمه بالنسبة للإرث، أنه يرث من القبيلة كما يرث الصريح من أبنائها. أما إذا قتل، فديته نصف دية الصريح٣. وكان "معيقيب بن أبي فاطمة" حليفًا لبني أسد, وكان يكتب مغانم الرسول٤.


١ مناقب الترك، من رسائل الجاحظ "١/ ١٣"، "تحقيق عبد السلام هارون".
٢ مناقب الترك "١/ ١٢ وما بعدها".
٣ تاريخ التمدن الإسلامي "٤/ ٢٣".
٤ الجهشياري "١٢"، "القاهرة ١٩٣٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>