للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما ما أورده الأخباريون بشأن زمانه وعمره، فهو مما لا قيمة له. فمن عادة القصاص، رفع من كانوا يتحدثون عنهم من الشخصيات البارزة التي كانت لها شأن وخطر في القدم، وإضافة السنين الطويلة إلى أعمارهم، والمبالغات والإغراب إلى قصصهم ليكون ذلك أوقع في نفوس السامعين وفي مخيلة المعجبين بهذا النوع من الحكايات. ولهذا الإغراب جعل بعض المستشرقين زهيرًا شخصية خرافية، وبطلًا خياليًّا أوجدته على رأيهم مخيلة الأخباريين١، ولكن الإغراب في القصص مهما بولغ فيه لا يكون حُجَّة قاطعة في كون من قيل فيه شخصية خرافية لا وجود لها. فقد أغرب الأخباريون في أبرهة معاصر زهير، وبالغوا في الذي رووه عنه، ورفعوا أيامه إلى أيام داود وأيام سليمان، وجعلوا له أياما أخرى. ولكن أبرهة فند أقاصيصهم عنه وبيّن في كتاباته التي دونها على سد مأرب أنه من رجال القرن السادس للميلاد.

ومعظم من روى عنهم الأخباريون هذا النوع من القصص، هم رجال مثلنا، عاشوا وماتوا، وكانت أيامهم في الغالب في القرن السادس للميلاد، أي في عهد لم يكن بعيدًا جدًّا عن الإسلام لم تتمكن ذاكرة الرواة وحفظة الأخبار من حفظ شيء عنهم، إلا أن هذا النوع من القصص المحبوب، المطلوب من الناس، يقصه القصّاصون في الليالي المقمرة الجميلة ويقصه المعمرون من رجال القبيلة ليكون فخرًا لقبيلتهم. وهذا النوع من القصص هو نوع بدائي من أنواع حفظ التأريخ، وأكثر من حفظ وروى أخبارا زهير بن جناب الشرقي بن القطامي، وهشام بن الكلبي، وأبوه محمد، وجماعة آخرون من المشايخ الكلبيين.٢ كانوا يروون هذا النوع من القصص عن رجال كلب، حملهم على ذلك تعصبهم لقبيلتهم كلب.

وأكثر ما روي عن كلب، هو من إخراج تلك الأيدي الكلبية، نشرته وأذاعته بين الناس، ومن حسن حظ كلب أن شيوخ الأخباريين الذين ذكرتهم كانوا منها، فكان لقصصهم هذا صداه البعيد عند جمهرة الأخباريين.


١ Ency, II, P. ٦٨٨.
٢ Ency, II, P. ٦٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>