للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم، لحقهم وقد عبروا دجلة، فجثا الإياديون على الركب، ورموا الفرس رشقًا واحدًا. عندئذ أمر كسرى بإرسال الخيل عليهم، وأمر "لقيط بن يعمر بن خارجة بن عَوْبَثان الإيادي"، وكان كاتبه بالعربية وترجمانه، وكان محبوسًا عنده أن يكتب إلى من كان من شداد قومه، فيما بينهم وبين الجزيرة، أن يقبلوا إلى قومهم، فيجتمعوا، ليغير على إياد كلهم، فيقتلهم. فكتب لقيط إلى قومه ينذرهم كسرى، ويحذرهم إياه في جملة قصائد رواها الأخباريون١. فهربت إياد وأمر كسرى الخيل، فأحدقت بهم وبالذين بقوا من خلف الفرات. ثم وضعوا فيهم السيوف، ومن غرق منهم بالماء أكثر ممن قتل بالسيف. ولما بلغ كسرى شعر لقيط قتله٢.

أما من هرب من إياد إلى الشام، ومن كان قد هاجر إليها، فقد دان للغساسنة، وتنصر كأكثر عرب الروم، ولحق أكثرهم بلاد الروم فيمن دخلها مع جبلة بن الأيهم من غسان وقضاعة ولخم وجذام٣.

ولدينا رواية أخرى في أسباب تسمية موضع دير الجماجم بهذا الاسم، تشير إلى حدوث معركة بين الفرس وإياد، وقتل إياد لقوم من الفرس، ولكنها حادثة أخرى غير الحادثة المتقدمة على ما يظهر، يرويها ابن الكلبي، خلاصتها: أن رجلًا من إياد اسمه بلاد الرماح أو بلال الرماح، وهو أنبت بن محرز الإيادي، قتل قومًا من الفرس، ونصب رءوسهم عند الدير، فسمي دير الجماجم. ولم تذكر هذه الرواية زمن حدوث هذا القتل، وهل كان قبل إجلاء إياد عن العراق أو بعده كما جاء في الروايات السابقة؟ وهل كان هذا انتقامًا من الفرس بعد ما فعلوه بإياد؟ غير أن هناك رواية أخرى يرويها ابن الكلبي أيضا تشير بوضوح إلى أن فتك إياد بالفرس في موضع دير الجماجم إنما كان بعد نفي كسرى إياهم إلى الشام وفتكه بهم، أي أن هذا الفتك كان عملا انتقاميًّا من الفرس، لما فعلوه بإياد. يقول ابن الكلبي: "كان كسرى قد قتل إيادًا، ونفاهم إلى الشام، فأقبلت ألف فارس منهم حتى نزلوا السواد. فجاء رجل منهم وأخبر كسرى


١ منها:
سلام في الصحيفة من لقيط ... على من بالجزيرة من إياد
البكري "١/ ٧٢ وما بعدها".
٢ البكري "١/ ٧٣".
٣ البكري "١/ ٧٥"، الأغاني "٢/ ٢٣ وما بعدها"، كحالة "١/ ٥٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>