للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يخبرهم، فأنفذ إليهم مقدار ألف وأربعمائة فارس ليقتلوهم، فقال لهم ذلك الرجل الواشي: انزلوا قريبًا حتى أعلم لكم علمهم. فرجع إلى قومه وأخبرهم، فأقبلوا حتى وقعوا بالأساورة، فقتلوهم عن آخرهم، وجعلوا جماجمهم قبة. وبلغ كسرى خبرهم، فخرج في أهليهم يبكون. فلما رآهم، اغتم لهم، وأمر أن يبنى عليهم دير سمي دير الجماجم"١. وهذه الرواية عن فتك إياد بالفرس، وهي أقرب إلى المنطق من الرواية الأولى التي ذكرتها عن النزاع بين كسرى وإياد.

على أن هناك أخبارًا أخرى ذكرها الأخباريون في تعليل اسم موضع "دير الجماجم" لا تشير إشارة ما إلى هذا الاصطدام بين الفرس وإياد، إنما أشار بعضها إلى حرب وقعت بين إياد وبين بني نهد في هذا المكان، قتل فيها خلق من إياد وقضاعة، ودفنوا هناك، فسمي الموضع بهذا الاسم، كما نسبت الحرب إلى قبائل أخرى لم يرد بينها اسم إياد٢.

وفي رواية الأخباريون عن فتك كسرى بإياد، ونفيه إياهم إلى الشام، مبالغة كبيرة ولا شك. فإننا نجدهم أنفسهم يذكرون إيادًا مع الفرس تحارب في معركة "ذي قار"، ثم يذكرون أنها اتفقت سرًا مع بكر على أن تخذل الفرس يوم اللقاء. وقد خذلتهم بالفعل، إذ ولت منهزمة ساعة اشتداد القتال فانهزمت الفرس٣. ثم تراهم يذكرون إيادًا في أخبار الفتوح، فيروون أنها حاربت تحت إمرة "بهران بن بهران جوبين" المسلمين، أي أنها كانت تحارب مع الفرس في العراق٤. وأن صلاتهم كانت حسنة بهم. وهذا يناقض ما زعموه عن نفي الفرس لهم عن العراق. ولم تكن إياد من القبائل العربية النصرانية التي مالت إلى تأييد المسلمين، ففي الفتوحات الإسلامية للعراق كانوا مع الفرس على المسلمين وإن ساعدهم قسم منهم بالاتفاق معهم سرًّا، كما حدث في فتح تكريت. وفي الشام انضم قسم منهم إلى "هرقل" "heraclius" في محاولاته اليائسة التي قام بها للاحتفاظ ببلاد الشام ولاستخلاص ما استولى عليه المسلمون من تلك البقاع. ولما حلت الهزائم بالروم، فضل قسم منهم الهجرة إلى بلاد الروم والإقامة فيها. وقد كان ذلك عن عاطفة دينية ولا شك٥. غير أن هذا لا يعني أن جمهرة إياد كانت كلها مع الروم.


١ البلدان "٣/ ١٣١".
٢ البلدان "٤/ ١٣١".
٣ الطبري "٢/ ٢٥٣ وما بعدها".
٤ Ency., II, p. ٥٦٦.
٥ Ency., II, p. ٥٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>