للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي أيام حسان بن أسعد وتخريبه حصونهم، وقتل حسان لجديس التي أفنت طسمًا١. وفي هذا الحديث على علاته ما فيه من اعتراف صريح باضطراب النسابين في ضبط الأنساب.

ولا يخلو بعض هذه الأنساب من تحامل العصبية التي كانت في نفوس القبائل والبطون، إذْ خلقت هذه مثالب لصقتها بآباء القبائل المتباغضة وأجدادها حفظت على مرور الأيام، ولازمت من قيلت فيهم، ليس من الصعب الوقوف عليها ومعرفتها كما الحال في نسب ثقيف مثلا. وقد أوجدت قسوة الحجاج بن يوسف، وهو من ثقيف، ذلك القصص الذي قيل في جدّ ثقيف ولا شك.

وقد أشرت فيما سبق إلى أثر التوراة وأثر نفر من أهل الكتاب ممن ادعوا العلم بكتب الأولين في النسابين والأخباريين ووضعهم أسس النسب، وإرجاعها إلى قحطان وعدنان، وبناء نسب القبائل على هذين الأساسين. وقد وجدنا "يقطان" في التوارة أبًا لشبا وحضرموت وبقية إخوتهما، وهم من العرب الساكنين في اليمن وفي بقية العربية الجنوبية. ويقطان هو قحطان. ثم وجدنا الإشماعيليين في التوارة كذلك، والإشماعيليون هم الإسماعيليون أبناء إسماعيل جد العرب العدنانيين. ووجدنا نابت وقدار في التوراة كذلك وعند النسابين أيضًا، ونابت هو "نبابوت".

أما الذي يتجلى لنا من استعراض كل هذه الأنساب ودراستها، سواء أكانت قحطانية أم عدنانية، فهو أن الحياة السياسية للقبائل كانت حياة كتل، وهي حياة اقتضتها ضرورات الحياة للدفاع عن النفس والمصالح، كما هو شأن الدول في كل زمان، حيث تعقد بينها المحالفات. فالحلف بين القبائل، هو كالحلف بين الدول بكل ما للحلف من معنى. وقد رأينا نماذج من تلك الكتل الضخمة أشرت إليها في أثناء كلامي على القبائل. ويخيل إليّ أن فكرة رجوع العرب إلى قحطان وعدنان، فكرة تثبتت في الإسلام، ساعد في ترسيخها وتثبيتها تلك العصبية التي أشرت إليها، وتلك النظرية التي انتزعها ابن الكلبي وأضرابه من التوراة ومن أهل الكتاب بخصوص يقطان وقيدار.


١ الإكليل "٨/ ١٠٠ وما بعدها" "طبعة نبيه أمين فارس"، "١٠/ ٣٠ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>