وفي الذي يذهب إليه أهل الأخبار والأنساب من ادعاء وجود خلاف بين القحطانيين والعدنانيين، شيء من الصحة، لا سبيل إلى نكرانه، غير أنه ليس على النحو الذي ذهبوا إليه. والكتابات الجاهلية التي تحدثت عنها سابقًا، وأسماء الأشخاص والأصنام، شواهد على وجود هذا الاختلاف. ولكن ليس اختلافًا بالمعنى الذي ذهب إليه الأخباريون. فبين العرب الذين يطلق الأخباريون عليهم "القحطانيين" اختلاف في اللهجة وفي الأسماء لا يقلّ عن الاختلاف بين القحطانيين والعدنانيين. كذلك نجد مثل هذا الاختلاف بين العدنانيين أنفسهم. وقد وجدنا نص النمارة لامرئ القيس، وهو أصل قحطاني على حد تعبير الأخباريين وأهل الأنساب، بلهجة قريبة من لهجة القرآن الكريم بعيدة عن لهجات أهل اليمن. بلهجة نستطيع أن نقول إنها من الأم التي ولدت عربية القرآن الكريم. كذلك نجد النصوص الأخرى قريبة من هذه العربية، مع أنها لأناس يجب عدّهم من قحطان إن سرنا مع النسابين في مذهبهم في تقسيم العرب إلى قحطانيين وعدنانيين. ثم إن الأخباريين لم يشيروا إلى فروق في اللسان بين القحطانيين والعدنانيين، وإنما جعلوهم يتكلمون بعربية واحدة هي عربية القرآن الكريم، ونسبوا إليهم أصنامًا مشتركة. وشعراء الجاهلية هم في عرفهم من قحطان وعدنان.. ولهذا قالوا عن اللهجات العربية الجنوبية التي ظلت حية في اليمن وفي حضرموت إنها غير فصيحة وأنها ليست بعربية، وأن لسان حمير ليس بلساننا، إلى غير ذلك مما أشرت إليه في أجزاء الكتاب السابقة مأخوذة من أقوال العلماء.
وقد ذكرت في كتابي "تأريخ العرب قبل الإسلام"، في أثناء كلامي على النبط ما كان من وجود أداة "أل" المستعملة في عربية القرآن الكريم، في كتاباتهم، وأشرت إلى استعمالهم أسماء استعملتها قريش وغيرهم من العرب العدنانيين١. وهي أسماء لم نعثر عليها في الكتابات العربية الجنوبية حتى الآن، كما أشرت إلى مشاركتهم العرب الشماليين في أسماء الآلهة التي تعبدوا لها، وأوردت آراء بعض المستشرقين في أصلهم، وفي أنهم عرب مثل العرب الآخرين.
ولهذه الملاحظات أهمية كبيرة في الحديث عن العرب الشماليين، وفي النواحي التي يختلفون فيها عن العرب القحطانيين. كما أن لنص النمارة ولتأريخ "بروكوبيوس"