للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويعدّ الشتاء محكًّا للأجواد ولكرام الأنفس فالشتاء عدو الفقير، يؤلمه ببرده ويوجعه بفقره ويضيف آلامًا على آلامه. فخيمته الممزقة البالية، لا تقيه من رياح ولا من مطر ولا من برد. والصيد يختفي ويقل، والأعشاب تزول، فلا يجد الفقير أمامه سوى ما ادخره من قوت ليعيش عليه. فإذا أكله أو كان قليلًا، فليس أمامه من ملجأ سوى الاستجارة بأهل الجود والسخاء. ممن كانوا إذا جاء الشتاء أدنوا إليهم الناس وأطعموهم، فيقتلون بذلك جوع الشتاء. ولهذا عرف الواحد منهم ب "قاتل الشتاء"١.

وغاية الجود أن يجود الإنسان بأعز ماله لغيره، يقال: "إنه لمنحار بوائكها، أي ينحر سمان الإبل"، وهو للمبالغة، يوصف للجود٢. فهو ليس من أولئك الذين يبخلون بمالهم العزيز، فينحرون الهزيل من الإبل، حرصًا على العزيز، بل يقدم أقصى ما عنده لضيوفه.

ويعد العرب "إقراء الضيف" و "الرفادة": "رفادة الحج" في جملة "إرث إبراهيم وإسماعيل". ويدخل أهل الأخبار في جملة هذا الإرث تعظيم الحرم ومنعه من البغي فيه وقمع الظلام ومنع المظلوم٣. فالكرم إذن من السنن القديمة الموروثة عن سنة إبراهيم على أهل الأخبار.

ولا يعد الكريم كريمًا إذا وهب ماله في سبيل غرض. فمن وهب المال لجلب نفع أو دفع ضرر أو خلاص من ذم فليس بكريم٤.

ويقال للعطية الجزيلة "الدسيعة". ويقال للجواد، هو ضخم الدسيعة، أي كثير العطيّة. وقيل هي المائدة الكريمة والجفنة على سبيل المجاز٥، لما عرف به الأجواد من تقديم الطعام للأضياف. ويقال للجواد المعطاء السيد الحمول: "الخضرم"، تشبيها بالبحر الخضرم وهو الكثير الماء٦.


١ تاج العروس "٨/ ٧٦"، "قتل".
٢ تاج العروس "٣/ ٥٥٨"، "نحر".
٣ الكلاعي، الاكتفاء "١/ ١٥٠".
٤ تاج العروس "٩/ ٤١"، "كرم".
٥ تاج العروس "٥/ ٣٢٧"، "دسع".
٦ تاج العروس "٨/ ٢٨٠ وما بعدها"، "الخضرم" بكسر الخاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>