للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكريم. قيل له: "جفنة الركب"، لأنه كان مطعامًا يضع جفنته ويطعم الناس فيها، ومن يكون معه في ترحاله فسمي باسمها١.

وكانت العرب تقول: السفر ميزان القوم، كأنه يزنهم بأوزانهم ويفصح عن مقاديرهم في الكرم واللؤم٢. إذ يتبين الكريم من اللئيم في سفره. فاللئام إذا ما سافروا ضجروا، لخوفهم من تقديم ما عندهم إلى من هم دونهم من فقير ومحتاج، أما الكريم، فإنه لا يبالي في سفره فيعطي وينفق ويساعد من يسافر معه بما يجود به عليهم. فهو على عكس اللئيم فرح بسفره هذا مستبشر.

وزعم الأخباريون أن "سويد بن هرمي بن عامر الجمحي"، كان أول من وضع الأرائك وسقى اللبن والعسل بمكة٣. ومعنى هذا أنه أول من وضع الأرائك لراحة الناس في الجاهلية، ولعلّهم قصدوا أرائك وضعت في الحرم لجلوس الناس عليها. كما ذكروا أن "أبا أمية بن المغيرة المخزومي" و "أبا وادعة بن ضبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم" وكانا يسقيان العسل بمكة، بعد سويد بن هرمي٤. وقد كان "عدي بن نوفل" يسقي الحجيج اللبن والعسل على ما ذكره أهل الأخبار٥. وقد عدت السقاية من مفاخر قريش.

وقد كان من عادة الأجواد إيقاد النار في الظلام ليراها الغريب والمحتاج والجائع من مسافة بعيدة فيفد إليها، فيجد له من يقريه ويقدم له ما يحتاج إليه من طعام. ويقال لها "نار القرى" و "نار الضيافة". وهي نار توقد لاستدلال الأضياف بها على المنزل، وكانوا يوقدونها على الأماكن المرتفعة، لتكون أشهر. حتى زُعم أن منهم من كان يوقدها بالمندلي الرطب، ليهتدي إليها العميان، بشم رائحة الطيب التي تفوح منها عند الاحتراق. وهي من أجل الأعمال عند العرب. وقد ذكرت في الشعر الجاهلي٦.


١ اللسان "١٣/ ٩٠ وما بعدها"، "صادر"، "جفن".
٢ الثعالبي، ثمار القلوب "٦٨٨".
٣ المحبر "ص١٧٦ وما بعدها".
٤ المحبر "١٧٧".
٥ نسب قريش "١٩٧".
٦ بلوغ الأرب "٢/ ١٦١".

<<  <  ج: ص:  >  >>