للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأتاويين بأصحاب المحلات. قال الشاعر:

لا تعدلن أتاويين قد نزلوا ... وسط الفلاة بأصحاب المحلات

وقالت امرأة من الكفار، وهي تحرض الأوس والخزرج، حين نزل فيهم النبي:

أطعتم أتاويّ من غيركم ... فلا من مُراد ولا مذحج

أرادت أن تؤلب وتذكي العصبية١.

وكانوا إذا أرادوا الاستهزاء برجل جاهل سفيه، قالوا له: هذا من أشد سباب العرب، أي أن يقول الرجل لصاحبه إذا استجهله يا حليم! أي أنت عند نفسك حليم وعند الناس سفيه٢.

ويعير الإنسان بأبويه، أو بأحدهما، إذا كان بهما أو بأحدهما مثلبة ومنقصة يؤاخذ عليها، كأن يكون ابن أمة أو ابن سبي بيع في السوق. وقد رأينا أنهم كانوا يزدرون الهجين، ولا ينظرون إليه نظرتهم إلى إنسان صريح، كما كانوا يزدرون مَنْ أُمه أو أبوه من أصحاب الحرف. وقد عير "النعمان بن المنذر" لأن أمه "سلمى" كانت ابنة قَيْن، على زعم بعض الرواة. وكانوا إذا شتموا ابن أمة، قالوا له: يا ابن استها٣.

وقد كان للجاهليين أعراف في إهانات الناس، من مثل سب الشخص على ما ذكرت، وتحريض الأطفال على العبث بمن يريدون إهانته، ورميه بالحجارة والركض خلفه، وبأمثال ذلك أو بتحريض السفهاء على التحرش بالشخص، أو تحريض النسوة بسبِّه، وبالإقذاع في كلامهم معه، وبما شاكل ذلك من وسائل دنيئة لا تنم على قدرة المحرض ولا على جرأة عنده، فيعمد إلى أمثال هذه الأمور.

وأما المقتدرون المتمكنون، فكانوا إذا أرادوا إهانة إنسان أهانوه بأسلوب يدلّ على قدرة المهين وتمكنه من مُهانه وازدرائه، فكان أحدهم إذا تمكن من عدوه،


١ الحيوان "٥/ ٩٧"، "هارون".
٢ اللسان "١٢/ ١٤٦"، "صادر"، "حلم".
٣ قال الأعشى:
أسفها أوعدت يا ابن استها ... لست على الأعداء بالقادر
وقال حسان بن ثابت:
فما منك أعجب يا ابن استها ... ولكنني من أولى أعجب
البرقوقي "ص٦١".

<<  <  ج: ص:  >  >>