للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عمد إلى إهانته بنتف لحيته. ونتف اللحية من الإهانات الشديدة عند العرب، لأن اللحية من سيماء الرجولة، فإذا نتفت عد نتفها انتقاصًا من شأن ذلك الرجل وازدراءً شديدًا به.

وما يقال عن الإهانة التي توجه إلى الرجل بنتف لحيته، ينطبق كذلك على "جز الناصية". فجز الناصية من وسائل التحقير والازدراء، وفيه دلالة على ازدراء مَنْ جَزَّ الناصية بمن جُزّت ناصيته، بعد أن تمكن منه. وقد كان في إمكانه استرقاقه، أو المن عليه بفك أسره، أو بفك رقبته بفدية، ولكنه لم يفعل كل ذلك، ولم يطمح في الفدية إمعانا في ازدراء خصمه بإفهام الناس أن ذلك الشخص لا يساوي شيئًا، وأن المتمكن أرفع من أن يقبل فدية عن رجل وضيع خامل.

وكانوا إذا ذكروا خصومهم، تمنوا لهم الشر والأذى، واستعملوا جملًا فيها هذه المعاني. مثل: أخس الله حظه١، وأبعده الله وقبحه، أو رضيع اللؤم أو أبعد الله دار فلان، وأوقد نارًا في أثره٢، وقد يذكرونهم بهزء وسخرية. ويكثر ذلك عند أهل القرار.

ومن معاني الشتم لفظة "لحى"، التي تعني "شتم". يقال "لحى الله فلانا"، أي قبحه ولعنه. و "الملاحاة" المنازعة. وفي المثل من لاحاك، فقد عاداك٣.

وكان من دعاء بعضهم على بعض قولهم: "حبنًا وقدادًا". والحبن الاستسقاء، والقداد، وجع في البطن٤.

وكان إذا دعا الرجل على صاحبه، يقول: قطع الله مطاك. فيقول الآخر: بسلا بسلًا، أي آمين آمين. وكان يحلف الرجل ثم يقول بسل، أي: آمين. وكان "عمر" يقول في دعائه: آمين وبسلًا، أي إيجابا وتحقيقًا. وهي في معنى الويل، يقال: بسلًا له أي ويلًا له٥.


١ تاج العروس "٤/ ١٣٨"، "خسس".
٢ اللسان "٣/ ٤٦٦"، "وقد".
٣ تاج العروس "١٠/ ٣٢٣ وما بعدها"، "لحا".
٤ تاج العروس "٢/ ٤٦١"، "قد".
٥ تاج العروس "٧/ ٢٢٧"، "بسل".

<<  <  ج: ص:  >  >>