للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك١. وبالجملة، لم يدّعِ أحد من العلماء أنه توصل إلى تشخيص لغة "سام"، وتمكن من معرفة اللغة التي تحدث بها مع أبيه "نوح" أو مع أبنائه الذين نسلوا هذه السلالات السامية.

وكان من جملة العوامل التي ألهبت نار الحماسة في نفوس علماء التوراة والساميات للبحث عن اللغة السامية الأولى أو أقرب لغة سامية إليها، القصص الوارد في التوراة عن سام وعن لغات البشر، وبابل ولغاتها والطوفان وما شاكل ذلك، ثم وجد المستشرقون المعاصرون أن البحث في هذا الموضوع ضربٌ من العبث، لأن هذه اللغات السامية الباقية حتى الآن هي محصول سلسلة من التطورات والتقلّبات لا تُحْصَى، مرّت بها حتى وصلت إلي مرحلتها الحاضرة، كما أنها حاصل لغات ولهجات منقرضة. واللغة السامية القديمة لم تكن إلا لغة محكية زالت من الوجود، دون أن تترك أثرًا. ومن الجائر أن يهتدي العلماء في المستقبل إلى لغات أخرى، كانت عقدًا بين اللغات السامية القديمة التي لا نعرف من أمرها شيئًا وبين اللغات السامية المعروفة. والأفضل أن ننصرف الآن إلى دراسة اللغات السامية والموازنة بينها؛ لنستخلص المشتركات والأصول. ومتى تتكون هذه الثروة اللغوية، يسهل البحث في اللغة السامية الأم، كما تستحسن الموازنة بين هذه اللغات واللغات التي ظهرت في القارة الإفريقية، مثل المصرية القديمة والبربرية والهررية وبقية اللهجات الحبشية، لتكوين فكرة علمية عن الصلات التي تربط بين الحاميين والساميين وكانت من جملة العوامل التي دفعت بعض العلماء إلى القول بأن أصل الجنسين واحد، كان يقيم في قارة إفريقية.

وبالجملة إن هناك جماعة من المستشرقين ترى أن اللغة العربية على حداثة عهدها بالنسبة إلى اللغات السامية الأخرى، هي أنسب اللغات السامية الباقية للدراسة وأكثرها ملاءمة للبحث، لأنها لغة لم تختلط كثيرا باللغات الأخرى، ولم تتصل باللغات الأعجمية قبل الإسلام، فبقيت في مواطنها المعزولة صافية، أو أصفى من غيرها في أقل الأحوال، ثم إنها حافظت على خواص السامية القديمة مثل المحافظة على الإعراب على حين فقدت هذه الخاصة المهمة أكثر تلك اللغات،


١ Carl Brocklemann, Vergleichende Grammatik Der semitischen spachen Berlin, ١٩٠٨ Zimmern, Vergleichende Grammatik der Semitischen sprachen, ١٨٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>