للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجدار الذي يضم الإطار، والأعمدة التي تبنى على جانبي الباب أحيانًا والبناءين المحكمين اللذين يبنيان عند طرفي أبواب المدن والقصور والمعابد لحراستها.

وتتصل شوارع المدن والقرى بهذه الساحات. والشوارع الرئيسية مبلطة في الغالب، ولا سيما الشوارع المؤدية إلى قصور الملوك ودور الكبار والحكومة والمعابد، وتؤدي إلى ساحات أمام هذه المواضع المهمة. ويكون تبليط الشوارع عندهم بتغطيتها بصخور عريضة مستطيلة أو مربعة نحتت بأطرافها بحيث يوضع طرف حجر فوق طرف الحجر الذي يليه، فيظهران كأنهما حجر واحد، أو يصقل أطراف الحجر صقلًا جيدًا ووضعه بجانب حجر مصقول آخر ولصقهما لصقًا تامًّا، حتى يبدوَا كأنهما قطعة واحدة. ويظهر أنهم كانوا يعتنون عناية شديدة تامة بالتبليط. وقد تبين من دراسة بعض قطع شوارع مدينة "غيمان" الباقية من أيام الجاهلية حتى اليوم أن أهل هذه المدينة لم يعتنوا بتبليط شوارعهم عناية أهل المدن الأخرى، كما يتبين من طريق رصف الحجر ومن وضعه بعضه إلى بعض ومن دراسة المواد التي توضع تحت الأحجار وبينها١.

وللمدن حدود، ما كان بعدها عُدّ تابعًا للمدينة، وما كان خارجها عُدّ منقطع الصلة بتلك المدينة. وقد ذهب "رودوكناكس" إلى أن لفظة "أود" التي ترد في بعض الكتابات تعني "الحد" كما في هذه الجملة "أود هجرن"، أي "حد المدينة"٢. وعندي أن المراد بها "السدود" وكل شيء يقي شيئًا. فإن الأياد في العربية ما أيد به من شيء، وإياد كل شيء ما يقوى به من جانبيه، والتراب يجعل حول الحوض والخباء يقوى به أو يمنع ماء المطر٣. وعلى هذا فإن تفسير "أود" بسداد تحيط بمدينة أوفق في نظري من تفسيرها بـ "حد" وحدود"

والواقع أن من الصعب علينا في الزمن الحاضر أن نتحدث عن هندسة المدن وتخطيطها وعن طراز أبنيتها وارتفاعها، وعن ساحاتها وأسواقها، لقلة التنقيبات الأثرية العلمية واقتصارها على وجه الأرض وفي بقاع قليلة جدًّا من جزيرة العرب، وانعدامها من أكثر الأنحاء مع وجود آثار كثيرة فيها لا تزال مطمورة تحت الرمال.


١ Arabien, S. ١٤٧.
٢ Rhodokanakis, Stud. Lexi, II, S. ١٥١
٣ تاج العروس "٢/ ٢٩٣"، "آد".

<<  <  ج: ص:  >  >>