للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو تهيأت للجزيرة بعثات أثرية على شاكلة البعثات التي تقصد العراق أو بلاد الشام أو فلسطين أو مصر أو غيرها من أماكن، لكان علمنا بأحوال المدن العربية الجاهلية وبأحوال الجاهلين غزيرًا جديدًا يختلف عن هذا النزر اليسير الذي نتحدث به عن أحوال العرب قبل الإسلام.

أما الحجاز، فالظاهر أن الطائف منه، كانت القرية أو المدينة الوحيدة المحاطة بجدار أو حائط، يمكن أن نسميه سورًا. وكان يحيط بالمدينة وبه مواضع يتحصن فيها، وفيها تحصنت ثقيف يوم قاومت الرسول في أثناء حصاره لها. وكانت له أبواب أغلقوها عليهم، وامتنع على المسلمين عندئذ الدخول منها، والاقتراب من الجدار. ولما اختفى المسلمون تحت دبابة، ثم زحفوا بها إلى جدار الطائف، أرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار، فخرجوا من تحتها، فرمتهم ثقيف بالنبل، وقتلوا رجالا من المسلمين١. وأما مكة، فيظهر من وصف أهل الأخبار لها أنها لم تكن مسوّرة. وإنما كانت ذات منافذ وطرق تؤدي إلى داخل المدينة وتمر بالشعاب. وعلى كل شعب حماية حد شعبه من الأطراف عند دنو عدو من مكة. وأما المدينة، فلم يكن لها سور كذلك.

ويمكن أن يقال مثل ذلك عن بقية قرى الحجاز.

ولا نجد في وصف أهل الأخبار لقرى أهل الحجاز وبيوتها، ما يفيد بوجود أبنية ضخمة فيها على طراز أبنية اليمن. فلم يتحدث أهل الأخبار عن وجود قصور فيها تشبه "قصر غمدان" أو "قصر ذو ريدان" أو غير ذلك من القصور.

حتى مكة وهي أم القرى لا يشير أهل الأخبار إلى وجود بناء ضخم فيها على طراز أبنية اليمن، ولا وجد بيت كبير فيها على طراز بيوت سراة اليمن.

و"دار الندوة"، وهي دار قصي، مؤسس ملك قريش، لم تكن دارًا ضخمة ولا كبيرة على ما يظهر من روايات أهل الأخبار ويظهر أن أهل الأخبار لم يحفلوا كثيرًا بالنواحي العمرانية من الجاهلية، لذلك صارت معلوماتنا بسيطة جدًّا عنها من هذه الناحية. فلا نكاد نعرف شيئًا عن بيوت مكة أو غيرها قبل الإسلام.

وقد كانت بيوت المتمكنين من الناس وأصحاب اليسر والمال، مشيدة بالحجارة وباللبن. ويذكر علماء اللغة أن كل بيت مربع مسطح، فهو "أجم". ويظهر


١ الطبري "٣/ ٨٣ وما بعدها"

<<  <  ج: ص:  >  >>