للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان للملك "النعمان بن المنذر" مضحك اسمه "القرقرة"، كان يضحك منه "النعمان"، واسمه "سعد"١. والقرقرة: نوع من الضحك، اختص بالضحك العالي منه. وقد أدخلوه في المستأكلين والمتطفلين. قالوا: سأله أحد الأشخاص يومًا ما رأيناك إلا وأنت تزيد شحمًا وتقطر دمًا. فقال: لأني لا آخذ ولا أعطي، وأخطئ ولا ألام، فأنا طول الدهر مسرور ضاحك٢.

وقد جاء في شعر للشاعر "لبيد" وصف مجلس للنعمان، وقد وقف فيه "الهبانيق" أي الوصفاء بأيديهم الأباريق ينتظرون إشارة من أحد جلساء النعمان ليصبوا له خمرًا طيبة من خمور تلك الأباريق. فإذا طلب منهم ملء كأس ساروا إلى الطالب سيرًا فاترًا وبتؤدة ليملأوا له الكأس٣.

وكانت لهم عادات وتقاليد في مجالس الشرب وفي مجالس الطعام على نحو ما نفعل اليوم في المآدب الرسمية، فكان من عادة ملوك الغساسنة والمناذرة إجلاس السادة الرؤساء والمقربين إليهم على يمينهم وعلى مقربة منهم، تعظيمًا لشأنهم، ودلالة على مكانة الشخص عندهم. فإذا قدم الشراب أو الطعام، قدم إلى الملك أولًا، فإذا شرب منه، أو ذاقه، أمر فقدم الشراب أو الطعام إلى من هو في يمينه. وقد اتبعت هذه العادة عند سائر الناس في الولائم والدعوات. فكان "النعمان بن المنذر" مثلًا إذا همت الوفود التي تفد إليه بالانصراف، أمر باتخاذ مجلس لهم، يطعمون فيه معه، ويشربون. وكان إذا وضع الشراب سقي النعمان، فمن بدأ به على أثره فهو أفضل الوفد. ويذكر أنه أقام مجلسًا ذات يوم ضم فيه من وفود "ربيعة" "بسطام بن قيس" و"الحوفزان بن شريك" البكريّان.

وفيمن قدم عليه من وفد "مضر" من قيس عيلان: "عامر بن مالك" و"عامر بن الطفيل"، ومن تميم "قيس بن عاصم" و"الأقرع بن حابس"، فلما انتهوا إلى النعمان أكرمهم وحباهم، وأمر "القينة" أن تسقي "بسطام بن قيس"، المعروف بـ"ذي الجدين" أولًا، ثم تسقي الآخرين. فانزعج بقية


١ اللسان "٥/ ٩٨".
٢ الثعالبي، ثمار "١٠٩".
٣ المعاني الكبير "١/ ٤٦٦ وما بعدها". قال لبيد:
وَالهَبانيقُ قِيامٌ مَعَهُم ... كُلُّ مَحجوبٍ إِذا صُبَّ هَمَل
ويروى كل ملثوم، تاج العروس "٧/ ٩٣"، "الهبنق".

<<  <  ج: ص:  >  >>