للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سادات الوفود من هذه المعاملة التي اعتبروها إهانة متعمدة ألحقت بهم١.

وإلى هذه العادة، عادة تقديم الأيمن، أشير في شعر عمرو بن كلثوم في هذا البيت:

صَبَنتِ الكَأسَ عَنّا أُمَّ عَمرٍو ... وَكانَ الكَأَسُ مَجراها اليَمينا٢

و"الردف"، هو الذي يجلس على يمين الملك في قصور الحيرة. فإذا شرب الملك، شرب الردف قبل الناس. وإذا غزا الملك، جلس الردف في مجلسه، وخلفه على الناس حتى يرجع من غزاته. وله المرباع، فهي منزلة كبيرة، ولهذا شرف بالجلوس على يمين الملك، والشرب من بعده. وقد اتخذت هذه المنزلة لإرضاء سادات القبائل وإسكاتهم، ومنعهم بذلك من التحرش بعرب الحيرة. وقد خصصت في "بني يربوع"، وكانوا من القبائل القوية التي تكثر الغارات٣.

وقد تأثر رؤساء الحيرة وأصحاب الحل والعقد والجاه منهم، والمتصلون بالحكومة الساسانية، بالعادات والرسوم المتبعة عند الفرس، فإذا هم يحاكونهم في مآكلهم وفي مجالس شربهم وأنسهم، وفي طريقة معيشتهم. جاء ذلك إليهم عن طريق اختلاطهم بهم بالطبع وشدة امتزاجهم بهم، فنرى عديّ بن زيد العبادي يذكر "النستق" في شعره.

وقد دخلت على الحسناء كلتها ... بعد الهدوء تضيء البيت كالصنم

يَنْصِفُها نُسْتُق تكادُ تُكْرِمهم ... عن النَّصافة كالغِزْلانِ في السَّلَم

و"النستق" الخدم، وهي من الألفاظ المعربة٤. و"الكلّة"، هي الستر الرقيق، ولا تزال تعرف بهذه التسمية في العراق، توضع فوق الفراش وينام تحتها، فتكون كالقبة فوقها، لتمنع البعوض والذباب والحشرات الأخرى من الدخول إلى داخلها ومن إزعاج النائم. وهي "كلتو" Kelto في لغة بني إرم٥.


١ العمدة "٢/ ٢٢٠ وما بعدها".
٢ بلوغ الأرب "١/ ٣٩٤"، تاج العروس "٩/ ٢٥٨"، "صبن".
٣ اللسان "٩/ ١١٦".
٤ الجواليقي "ص٣٤٣"، تاج العروس "٧/ ٧٦"، "النستق".
٥ غرائب اللغة "ص٢٠٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>