للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى معدة الأعرابي، فإذا أقبل على أكل طعام أهل الحضر، وهو طعام غير مألوف عنده أصيب ببطنة تجعله يكره أكل الحضر، وطعام أهل القرى والمدن، ويعجب كيف يأكله أولئك ثم لا يصابون بمكروه. قال أعرابي قدم الحضر فشبع فأتخم:

أقول للقوم لما ساءني شبعي ... ألا سبيل إلى أرض بها الجوع

ألا حيل إلى أرض يكون بها ... جوع يصدع منه الرأس ديقوع١

وقد كان الجاهليون يأكلون كل ما وقع تحت أيديهم من حيوان مقتول أو ميت، فنزلت الحرمة عن ذلك في الآية: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} ٢. وذكر أن أهل الجاهلية كانوا يخنقون الشاة وغيرها، فإذا ماتت أكلوها. وأنهم كانوا يضربون الأنعام بالخشب لآلهتهم حتى يقتلوها فيأكلوها. وذكر أن الموقوذة: هي التي ترمى أو تضرب بحجر أو عصًا حتى تموت من غير تذكية. والوقذة شدة الضرب٣.

وأما المتردية، فهي التي تتردى من العلو إلى السفل فتموت، كان ذلك من جبل أو في بئر ونحوه. وسواء تردت بنفسها أو ردّاها غيرها. وكانت الجاهلية تأكل المتردي، ولم تكن تعتقد ميتة إلا ما مات بالوجع ونحوه دون سبب يعرف.

فأما هذه الأسباب، فكانت عندها كالذكاة. فحصر الشرع الذكاة في صفة مخصوصة. وبقيت هذه كلها ميتة. وكذا النطيحة وأكيلة السبع التي فات نفسها بالنطح والأكل٤. وكانت الجاهلية تأكل النطيحة الميتة كما تأكل الشاة التي يأخذها السبع فتخلص منه، وكذلك إن أكل بعضها٥.

وقد كان الجاهليون يستحلون أكل المحرمات المذكورة التي حرمت في الإسلام، ويأكلون ما يذكى من الحيوان على الأنصاب للأصنام، وما يذكى على غير


١ تاج العروس "٥/ ٣٣١"، "دقع".
٢ المائدة، الآية٣.
٣ الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي "٦/ ٤٧ وما بعدها".
٤ الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي "٦/ ٤٩".
٥ المصدر نفسه "ص٥٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>