للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر أن قريشًا كانوا "يتفصحون عن حال الفقراء ويسدون خلة المحاويج"١.

ويظهر أن هذا إنما حدث بفعل "هاشم" وبتنظيمه وجمعه وبدعوته تلك. فصار أصحاب القلوب الرقيقة يخرجون منذ يومئذ من دخلهم نصيبًا يجمعونه ويوحدونه، لينفقوا منه على من به حاجة من أهل مكة ومن الغرباء.

والإيلاف هو التطبيق العملي لدعوة "هاشم" إلى إنصاف الفقراء والمساكين والمحاويج. فبعقد "الإيلاف" وإجماع قريش على تلبية دعوة هاشم بإخراج نصيب من أموالهم يخصص لمساعدة المحتاج، تمكن "هاشم" من تطبيق دعوته تطبيقًا عمليًّا، ومن مساعدة المحتاجين. حتى صار عمله سنة لمن جاء بعده. فحسن حال المحتاجين، ونعش فقراء مكة. يؤيد ذلك ما نجده من قول "ابن حبيب": "أصحاب الإيلاف من قريش الذي رفع الله بهم قريشًا ونعش فقراءها"٢.

والرفادة والسقاية، هما من ثمرات دعوة "هاشم"، فالرفادة، هي إقراء ضيوف مكة وإطعام المحتاجين من أهلها. والسقاية إسقاءهم الماء، والنبيذ واللبن.

فلم تقتصر السقاية على تقديم الماء بلا ثمن إلى العطشان والمحتاج إلى الماء. بل اشتملت على تقديم اللبن والنبيذ بل والعسل كذلك إلى المحتاج بلا ثمن. وقد ذكر أن "سويد بن هرمي بن عامر الجمحي"، كان "أول من وضع الأرائك وسقى اللبن والعسل بمكة"٣. وأن "أبا أمية بن المغيرة المخزومي": المعروف بـ"زاد الركب"، و"أبا وادعة بن ضبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم"، "كانا يسقيان العسل بمكة بعد سويد بن هرمي"٤. وكل هذه الأعمال، هي من الأعمال الخيرية النافعة، التي تدل على نفس طيبة، تسعى للتخفيف عن مصاعب الناس، وعن رغبة في مساعدة الفقراء والمحتاجين. فصار في وسع من يقصد البيت الجلوس على أرائك ليرتاح عليها، كما صار في وسعه الحصول على ماء أو سقاء لبن أو ماء معسل، أي محلى، مجانًا إن لم يتمكن من دفع الثمن.

وفي حلف "الفضول" دعوة لـ"مواساة أهل الفاقة ممن ورد مكة بفضول أموالهم"٥، وذلك لمنع الظالمين من أهل مكة من اغتصاب أموال أهل الفاقة


١ تفسير النيسابوري، حاشية على تفسير الطبري "٣٠/ ١٦٩"، "طبعة بولاق".
٢ المحبر "١٦٢".
٣ المحبر "١٧٦ وما بعدها".
٤ المحبر "١٧٧".
٥ ابن هشام "١/ ١٤١".

<<  <  ج: ص:  >  >>