للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففداها، وأنه سأل قومه في ترك الوأد، فخفف بذلك منه. وعد ذلك مكرمة ما سبقه إليها أحد من العرب١.

وإلى "صعصعة بن ناجية"، أشار الشاعر "الفرزدق"، مفتخرًا به في شعره، إذ قال:

وجديّ الذي منع الوائدات ... وأحيا الوئيد فلم يوأد٢

وله أشعار أخرى في هذا المعنى.

وكان "عمرو بن نفيل" يحيي الموؤودة لأجل الإملاق. يقول للرجل إذا أراد أن يفعل ذلك: لا تفعل! أنا أكفيك مؤونتها، فيأخذها، فإذا ترعرعت قال لأبيها: إن شئت دفعتها إليك، وإن شئت كفيتك مؤونتها٣.

وذكر "القرطبي" في تفسير الآية: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ، وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} ٤. أنها "نزلت في خزاعة وكنانة، فإنهم زعموا أن الملائكة بنات الله، فكانوا يقولون: ألحقوا البنات بالبنات"٥. فنسب فعلهم الوأد إلى هذه العقيدة.

ولست أستبعد ما ذكره أهل الأخبار من وجود دافع ديني حمل الجاهليين على قتل الأولاد وعلى الوأد، بأن يكون ذلك من بقايا الشعائر الدينية التي كانت في القديم، وتقديم الضحايا البشرية إلى الآلهة لخير المجتمع وسلامته، وإرضاء الآلهة هي شعيرة من الشعائر الدينية المعروفة. فليس بمستبعد أن الوأد والقتل من بقايا تلك الشعائر، والغريب في الوأد أنه يكون بالدفن، بينما العادة في الضحايا التي تقدم إلى الآلهة أن تكون بالذبح أو بالطعن وبأمثال ذلك، كي يسيل الدم من


١ الأغاني "١٩، القسم الأول، ص٣ وما بعدها".
٢ اللسان "٣/ ٤٤٢ وما بعدها"، تاج العروس "٢/ ٥٢٠ وما بعدها"، "وأد".
وقال:
ومنا من أحيا الوئيد وغالب ... وعمرو ومنا حاملون ودافع
تفسير الطبري "٣٠/ ٤٦".
ومنا الذي أحيا الوئيد وغالب ... وعمرو ومنا حاجب والأقارع
٣ السيرة الحلبية "١/ ٥٣".
٤ النحل، الآية ٥٧ وما بعدها.
٥ القرطبي، الجامع "١٠/ ١١٦"، تفسير الخازن "٣/ ١١٩"، في تفسير سورة النحل.

<<  <  ج: ص:  >  >>