للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأوثان١. ولا بد أن يكون لهذا التشديد سبب، إذ لا يعقل ورود تلك الأحاديث في موضوع طمسها بغير داع ولا أساس. وسبب ذلك هو تقديس أهل الجاهلية لتلك القبور تقديسهم الأوثان وتقربهم إليها، وهو ما لا يتفق ومبادئ التوحيد في الإسلام.

ونهى الإسلام عن تكليل القبور. "أي رفعها تبنى مثل الكلل. وهي الصوامع والقباب التي تبنى على القبور. وقيل: هو ضرب الكلة عليها. وهي ستر مربع يضرب على القبور"٢. وقد كانوا يبنون البيوت والأبنية فوق القبور. وقد نادى الشاعر "لبيد" باني قبر عزيز له بأن يضعف من سمك القبر وأن يرفع الحائط أو السقف؛ حتى يكون هناك متسع من فضاء فوق القبر٣. وذكر أنه كانت على قبر "أبي أحيحة" قبة مشرفة٤.

وقد ورد في شعر "بشر بن أبي خازم الأسدي" ما يفيد بناء أضرحة فوق القبور، ورفع القبر عن الأرض حتى يكون كسنام الجمل بارزًا ظاهرًا. وقد عبر عن بناء القبر ورفعه عن الأرض وبناء ضريح عليه بـ"ارتفد الضريح"٥ والضريح في تعريف علماء اللغة، الشق في وسط القبر، وقيل: القبر كله أو قبر بلا لحد. وذلك لأنهم يجعلون اللحد في جانب القبر٦.

ويظهر أن يهود الحجاز ونصاراه كانوا قد بالغوا في ضرب القباب والأضرحة على قبور موتاهم وفي تعظيم قبور أحبارهم وقسسهم، حتى تحولت قبورهم إلى أضرحة ومزارات. تزار في المناسبات وقد دفنوهم في المعابد. لذلك نهي عن التشبه بفعلهم في الإسلام. وأشير إلى عملهم هذا في القرآن الكريم وفي كتب


١ "عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع تمثالًا إلا طمسته ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته"، صحيح مسلم "٣/ ٦١" "باب الأمر بتسوية القبر".
٢ تاج العروس "٨/ ١٠٣"، "كلل".
٣ شرح ديوان لبيد "ص٢٩٢".
٤ أنساب الأشراف "١/ ١٤٢".
٥
سَنامًا يَرفَعُ الأَحلاسَ عَنهُ ... إِلى سَنَدٍ كَما اِرتُفِدَ الضَريحُ
ديوان بشر "ص٥٠".
٦ اللسان "٢/ ٥٢٦". مختار الصحاح "٧٣"، تاج العروس "٣/ ١٨٧"، اللسان "٢/ ٥٢٦"، المخصص، "٦/ ١٣٠ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>