للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القبر بدفن غريب فيه. ويظهر من هذه العبارات أن من الجاهليين من كان يتطاول على القبور، ولا سيما القبور المنحوتة والقبور الجيدة المبنية على شكل غرف، وأضرحة، فيدفنون موتاهم فيها، وبذلك تدخل جثث غريبة في تلك القبور، أو يحولوا تلك المقبرة القديمة إلى مقبرة جديدة. وقد يزيلون معالمها تمامًا، أو يدفنون أمواتًا فوق أموات على نحو ما نفعل اليوم في المقابر القديمة المشهورة المقامة حول الأولياء، حيث تتحول المقابر القريبة من الولي إلى مقبرة قد ترتفع من كثرة ما يدفن عليها، حتى تكون مرتفعًا عن ظاهر الأرض.

وتزار قبور السادات والأشراف، وخاصة قبور كبار سادات القبائل، ويذبح عندها، ويحلف بها، ويلجأ إليها طلبًا للأمان والسلامة، فلا يستطيع أحد التحرش بمن التجأ إلى صاحب القبر ولا ذويه. وقد هجا "بشر بن أبي خازم الأسدي" "أوس بن حارثة" من "آل لأم"، فكان في جملة ما قاله في هجائه:

جَعَلتُم قَبرَ حارِثَةَ بنِ لَأمٍ ... إِلَهًا تَحلِفونَ بِهِ فُجورا

وحارثة بن لأم صاحب القبر، هو أبو أوس المهجو١.

وقد أشار أهل الأخبار إلى قبور سادات جاهليين كان الناس يفدون إليها، ويعظمونها، ويلوذون بها، ويطوفون حولها، منها قبر "تميم" بموضع "مر الظهران"، وقبر "عامر بن الطفيل"، وقد وضعوا الأنصاب حول القبر لتكون علامة له، فلا يدخل الساحة التي يكون فيها القبر إلى موضع الأنصاب حيوان أو راكب ولا يهتك حرمتها إنسان. كذلك كان الناس يحلقون شعورهم عند مثل هذه القبور، كالذي كانوا يفعلونه عن الأصنام٢.

وقد حجت قبائل قضاعة إلى قبر كان على مرتفع من الشحر، زعم أنه قبر جدّ قبائل قضاعة٣. وكانت أمثال هذه القبور ملاذًا يلوذ بها أصحاب الحاجات، كما قصدها الشعراء لإنشاد قصائدهم في مدح صاحب القبر والتغني بمجده وبمجد


١ ديوان بشر "ص٩١".
٢ Reste, S. ١٨٤, Muh. Stud. I, S. ٢٣١, Smith, Dictionary p. ١
٣ Muh. Stud, I, S. ٢٣١, ٢٣٥

<<  <  ج: ص:  >  >>