وأصحاب معبد وأرض بأعلى المنازل، ثم تليهم بقية الطبقات حسب قوتها ومكانتها إلى أن تصل إلى سواد الناس، وأقلهم منزلة الرقيق وأصحاب الحرف المبتذلة.
وهو نظام بقيت روحه وجذوره قائمة في اليمن إلى الوقت الحاضر، ولكنه بدأ يجابه بمقاومة روح العصر وتقدم البشرية، فأخذ يتهدم بعض التهدم حسب مواطن الضعف في البناء. وأما في الأماكن الحضرية الأخرى، مثل العربية الشرقية وفي الحجاز، أو نجد، فإن درجة فهم الناس فيها للدولة، اختلف فيها، باختلاف تقدم ذلك المكان في الحضارة وباتصاله بالعالم الخارجي.
وبفضل عثور الباحثين على كتابات تعود إلى عهود مختلفة من تاريخ العربية الجنوبية، استطعنا الإلمام بعض الإلمام بشيء من نظم الدولة في تلك الأرضين.
وفي جملتها طرق الحكم فيها ونفوذ رجال الدين وأصحاب الأرض والحياة الاقتصادية التي جعلت العربية الجنوبية مجتمعًا مكونًا من طبقات، يسيره الحكام ورجال الدين وأصحاب المال والأرض. أما بالنسبة إلى المواضع الأخرى، فإن علمنا عن هذه الأمور هو دون علمنا عن العربية الجنوبية بكثير، بسبب عدم عثور الباحثين على كتابات جاهلية فيها، نستطيع أن نستلهم منها وحينا عن الماضي البعيد. ولذلك فعلمنا عنها ضحل، استمد أكثره من أخبار أهل الأخبار، وهي فجة أو مصنوعة، أو محرفة حرفها مرور الزمن، أو مدسوسة عمدًا من إخباري أراد إظهار علمه للناس، أو من متعصب لقبيلة أراد بدسه الأخبار التفريج عن عاطفة التعصب الكامنة في نفسه.
ويعبر عن سكان القرى والمدن بـ"أهل" وبـ"آل". فيقال:"أهل مكة" و"أهل يثرب"، ويراد بهم قطان مكة وسكّان يثرب، و"شعب" في التعبير الحديث، على اعتبار أن كل مدينة مستقلة بشئونها قائمة بإدارة أمورها وهي حكومة ذاتية يدير حكمها سادات المدينة. على نحو ما كان عليه الوضع في القرى الأخرى من الحجاز وفي نواح عديدة من جزيرة العرب. وإذا أصيب أحدهم بضيم، أو أراد شيئًا يتطلب العون والمساعدة نادى:"يا أهل مكة" أو "يا آل مكة"، فيلبي ساداتها نداءه ويمضون في معالجة أمره، والغريب عن "أهل مكة"، له حق النخوة والاستجارة، فإذا نادى بشعارهما حصل على من يدافع عنه ويأخذ حقه ممن ظلمه.
ويشعر سكان المدن والقرى أنهم كالقبيلة من أصل واحد، وأن لهم جدًّا