للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يعني هذا أن حكم الملك كان دائمًا حكمًا شاملًا واسعًا بالمعنى المفهوم من هذا اللقب، فقد كان سلطان الملك في بعض الأحيان لا يتجاوز سلطان سيد قبيلة، أو سلطان صاحب قرية أو أرض. وعلى ذلك نجد في العربية الجنوبية وفي أنحاء أخرى من جزيرة العرب عشرات من أمثال هؤلاء الملوك يحكمون قبائلهم أو أرضهم بهذه النعوت والصفات المغرية المحببة إلى النفوس والقلوب، ذلك لأنهم أحبوا هذا اللقب، فلقبوا أنفسهم به، وصاروا ملوكًا، وهم في الواقع سادة قبائل أو أرض صغيرة. ونجد في كتب السير والتواريخ أسماء جملة "ملوك" عاشوا قبيل الإسلام وعند ظهوره، لم يكونوا في الواقع سوى سادات "شيوخ" قبائل أو قرى، ولم يكن لهم على من حولهم نفوذ أو سلطان.

ومعنى "ملك"، الرأي والمشورة والنصيحة. و"مَلَكَ"، بمعنى قدم رأيًا أو نصيحة أو مشورة، وذلك في بعض اللغات السامية. وتعني كلمة "شارو" "شرو"، "الملك" في الأشورية، وهي في معنى "الحكيم" في الأصل، أي: في المعنى المتقدم. وتعني كلمة "مليخ" "ملخ"، أي: "ملك" في العبرانية، الحكيم الذي يقدم رأيًا وحكمة ومشورة، فهي في معنى Adviser و Counseller في الإنكليزية١. إذ كان الملوك بمنزلة الحكماء القضاة في شعوبهم، ثم تخصصت بالحاكم الذي يحكم شعبه على النحو المفهوم من اللفظة عندنا.

وقد وردت لفظة "ملك" في نصوص المسند. وردت على هذه الصورة: "ملكن"، أي: "الملك"، و"ملكم"، أي: "ملكٌ". ووردت على هذه الصورة: "ملك" في النصوص الثمودية واللحيانية والصفوية. و"ملكو" في النصوص النبطية. أما في النصوص العربية الشمالية، فإن أقدم نص وردت فيه هذه اللفظة، هو نص "أم الجمال"، الذي يعود عهده إلى سنة "٢٥٠" أو "٢٧٠" بعد الميلاد٢. وهو شاهد قبر رجل اسمه "فهر بن سلى مربّي جذيمة ملك تنوخ" ونص "النمارة" الذي هو شاهد قبر الملك "امرؤ القيس"، وقد دوّن سنة "٣٢٨" للميلاد٣.


١ Hastings, P. ٥١٥
٢ السامية "١٣٩"، خليل يحيى نامي، أصل الخط العربي وتطوره إلى ما قبل الإسلام، محلة كلية الآداب، مايو ١٩٣٥م، "سنة ٢٧٠م"، De Vogue, Syrie Centrale, P. ١, ١٥, II
٣ Littmann, Nabataen Inscriptions from the Southern Hauran, p. ٣٧ Cantineaue, Nabateen et Arabe, p. ٢٧

<<  <  ج: ص:  >  >>