للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعلّ هذه الظروف الطارئة هي التي حملت الملك على تنصيب ابن له أو ابنين أو أخ له ملكًا معه يلقب بلقب الحكم في أثناء حياته، ويذكر ويذكرون بعده في الكتابات. وغايته من هذا النص هو أن الشخص المذكور اسمه بعد اسم الملك، هو الذي يرث الملك بعد وفاة الملك لسبب من الأسباب، فلا يقع حينئذ خلاف ما في تعيين الشخص الذي سيلي الملك. ولعل ذلك كان يحدث عند مرض الملك أو عند تقدمه في السن وشعوره بالعجز والكلال، أو لكونه محاربًا فهو يخشى أن يقتل في المعارك، وما أشبه هذا، فكان يحتاط لذلك بالنص على اسم من يليه وتعيينه معه ليعينه في تحمل أعباء الحكم، حتى إذا حدث له حادث يكون قد تدرب على إدارة الملك.

وذكر بعض أهل الأخبار أنه لم يكن لملوك اليمن نظام، وإنما كان الرئيس منهم يكون ملكًا على مخلافه لا يتجاوزه. وإن تجاوز بعضهم عن مخلافه بمسافة يسيرة من غير أن يرث ذلك الملك عن آبائه فلا يرثه أبناؤه عنه، وإنما هو شأن شذاذ المتلصصة، يغيرون على النواحي باستغفال أهلها، فإذا قصدهم الطلب لم يكن لهم ثبات. وكذلك كان أمر ملوك اليمن، يخرج أحدهم من مخلافه بعض الحيان، ويبدو في الغزو والإغارة، فيصيب ما يمر به، ثم يرجع عنه، عند خوف الطلب، زاحفًا إلى مكانه من غير أن يدين له أحد من غير مخلافه بالطاعة أو يؤدي إليه خراجًا١.

وقد أخذوا وصفهم هذا للملوك من الحالة السياسية التي كانت في اليمن وفي بقية العربية الجنوبية، أيام تدهور الأوضاع بعد الميلاد، ولا سيما في أوائل القرن السادس للميلاد إلى دخوله العربية الجنوبية في الإسلام. فقد استبد الحكام وأصحاب الإقطاع بالمخاليف، ولقبوا أنفسهم بألقاب الملك، وأخذ بعضهم يغير على بعض، ويغزو أرض جاره على طريقة الأعراب.

والسيادة على القبيلة، هي كالملكية تنتقل إلى مستحقها بالوراثة في الغالب. فإذا توفي سيد قبيلة، انتقلت سيادتها إلى ابنه الأكبر. هذا عامر بن الطفيل، وهو ابن سيد قبيلة، وقد صار سيدها بعد وفاة والده، يفتخر بنفسه، ويذكر


١ ابن خلدون، العبر: القسم الأول من المجلد الثاني "ص١١١ وما بعدها"، "بيروت ١٩٥٦م".

<<  <  ج: ص:  >  >>