كلمتهم وتشاحنهم فستكون لليهود إمكانية إثارة فريق على فريق، والاستفادة من سياسة فرق تسدّ. وبذلك يكون أمرهم ونهبهم في أيديهم بدلًا من أن يكون في أيدي "صاحب يثرب".
وقد حاول أهل يثرب من الأوس والخزرج حل مشكلة الحكم في مدينتهم حلًّا وسطًا، على قاعدة: أن من الأوس أمير ومن الخزرج أمير. يحكمان حكمًا مشتركًا، أو على التوالي، كأن يحكم سيد الأوس سنة، ثم يترك الحكم لسيد الخزرج ليحكم السنة التالية، ثم يعود فينسحب ليتولى الحكم سيد الأوس وهكذا، غير أن الحل لم ينجح أيضًا، وبقيت المشكلة:"مشكلة الحكم" مستعصية غير محلولة حتى دخل الرسول يثرب، لحلها حلًّا أزعج بعض من كان طامعًا في الحكم وكان يرغب أن يكون سيد يثرب.
هذا ولم نعثر في الأخبار الواردة إلينا عن يثرب، على خبر يفيد وجود "ناد" في هذه المدينة على شاكلة "دار الندوة" أو نواد الملأ. والظاهر أنه قد كان للنفرة الشديدة التي كانت بين الحيين: الأوس والخزرج يد في عدم ظهور مجلس حكم موحد في هذه المدينة. فبغض كل حي للحي جعل الاتفاق فيما بينهما على تكوين مجلس واحد من "ملأ" المدينة أمرًا صعبًا، على حين كان ذلك ممكنًا بالنسبة لأهل مكة، لأنهم كانوا كتلة واحدة، ومصلحتهم في حكم مشترك هي مصلحة عامة. ولم تكن المنافسات عندهم بين الأسر شديدة حادة، لذلك كان من الممكن اجتماع سادات الأسر في مجلس واحد، لا سيما وهم تجار، ومن مصلحة التاجر تمشية الأمور وتصريفها بالطرق السلمية، وحلها بغير تعنت ولا تشدد وغطرسة.
وكان أمر "الطائف" في أيدي "ملأ المدينة". يديرون شئونها في أيام السلم والحرب، ولم يرد في الأخبار أن أهل الطائف توجوا رجلًا عليهم، فجعلوه ملكًا، ولم يرد فيها أيضًا أنهم رأسوا رئيسًا عليهم، بل كانت الرئاسة في عدد من الرؤساء، هم سادات البطون والأحياء. ولكل رئيس كلمته في حيّه الذي يقيم فيه.