أو إسكاندينافية أو أميركا الشمالية؛ حيث الطبيعة مختلفة عن طبيعة بلاده وحيث الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية متباينة عن الظروف المذكورة في بلاده، تغير وتبدل واضطر مختارًا أو كرهًا عن غريزة تطور كامنة فيه إلى التأقلم والانسجام مع القوم الذين صار يعيش بينهم. ويتوقف هذا التحوّل بالطبع على عمر الشخص وعلى قابلياته وعلى مدة إقامته في المكان. ولو أقام ذلك العربي طيلة حياته كلها في ذلك الوطن الجديد، وصار له نسل من زوجته العربية التي قدمت معه أيضًا، فإن النسل الجديد سيكتسب صفات الموطن الذي نشأ فيه، ويتخلق بأخلاقه، أما نسل نسله، فإنه سيتحول إلى شخص آخر غريب عن جده، غريب عنه حتى في لغته. ومن هنا نجد الجيل الثالث من أجيال المهاجرين العرب الذين هاجروا إلى أميركا، وتجنسوا بها، جيلا أميركيًّا في كل شيء، حتى في لغته وثقافته وشعوره وهواه، يشعر أن حنجرته لا تطاوعه على تعلم العربية وأن أوتارها لا تساعد على النطق بها. مع أنه من أصل عربي أبًا وأمًّا وقد برز من هذا الجيل الجديد اليوم قوم في ميادين العلم والتجارة والمال والصناعة والسياسة والعمل، ودخل نفر منهم مجلس النواب في واشنطن، وسيزيد هذا العدد ولا شك، لم يعقهم عن ذلك عائق الرسّ والعنصر والجنس وخصائص الدم ولو كان الدم عائقًا إلى الأبد، لما حدث في المذكورين ما نراه عمليًّا في هذا اليوم.
والعربي بعدُ، إن وصف في الجاهلية أم في الإسلام بالخمول والكسل، وبـ "الرومانطيقية"، أي بالخيال، وبعدم الصبر وبالأنانية والفردية وبما شاكل ذلك من صفات، فصفاته هذه ليست حاصل خصائص دم ونتيجة سمات عرق، وإنما هي ظروف وأحوال وأوضاع أجبرته على ذلك، ولو أطعم ذلك العربي طعامًا صحيًّا فيه المواد الغذائية الضرورية لنمو الجسم والعقل، ولو تغيّرت ظروفه، فهو كما ذكرت سيتغير حتمًا. وما كان الأوروبي ليتفوّق على الشرقي لو أن طبيعة إقليميه وأرضه كانت طبيعة جزيرة العرب، ولو سكن الألماني أو السويدي أو الإنكليزي بلاد العرب، وصار له نسل، فإن نسله لا ينشأ كما لو نشأ في وطن والده أو جدّه، لاختلاف الظروف والأجواء. وما كانت أوروبا خضراء هذه الخضرة ونشطة هذا النشاط بسبب دم أهلها وحده، بل لأن طبيعتها ساعدت الناس وعاونتهم، فأنبتت الرطوبة والأمطار الأشجار بنفسها وكوّنت لأهلها الغابات،