ودفع البرد الناس على العمل دفعًا، ولهذا نجد الناس عندنا في الشتاء يندفعون إلى العمل اندفاعًا بعامل البرد الذي يدفع الجسم إلى الحركة.
أضفْ إلى كل ذلك عوامل أخرى تؤثر في جسم الإنسان وفي تصرفاته واتجاهاته من تركيب جسم ومن ملامح، مثل لون شعر وتركيبه ولون بشرة أو لون عين وشكل جمجمة وأمور أخرى يدرسها ويبحث فيها علماء الأجناس البشرية، تؤثر أيضًا في خصائص الإنسان وفي أجناسه وفصائله، مما لا مجال للبحث عنها في هذا المكان.
والبحث في موضوع نفسيات الشعوب وأصول تفكيرها وميزات عقلها، بحث يجب أن يستند إلى أسس علمية حديثة، وإلى تجارب دقيقة عامة، لذلك لا يمكن التعميم ما دمنا لا نملك بحوثًا ودراسات علمية منسقة، قام بها علماء متخصصون في البوادي وفي الحواضر وفي كل مكان من جزيرة العرب، رُوعِي عند إجرائها الظروف الطبيعية المؤثرة في ذلك المكان، والظروف الثقافية السائدة عليه، ودرجة تأثر ذلك المكان بالمؤثرات الخارجية، أي بمؤثرات المناطق المجاورة له. فبين أهل جزيرة العرب بَوْن كبير في العقليات، وبين أهل البوادي في الجاهلية وفي هذا اليوم فروق في النفسيات وفي التعامل، حتى وُسمت القبائل بسمات، فوُسمت "معد" مثلا بالحيلة والكيد والذكاء وبالغلظة والخشونة، ووسمت "ثقيف" بسمات، ووسمت "كندة" بسمات. وقد رأينا ما ذكره "حافظ وهبة" عن أهل نجد من حضر وبدو.
بل إننا نرى أن الأعاجم المتعرّبين أي الذين ينزلوا بين العرب وينسلون بينهم ويتخذون العربية لسانًا له، سرعان ما يتعرّبون كل التعرّب، ويتحوّل أبناؤهم إلى جيل عربي خالص، حتى ليصعب عليك التفريق بينهم وبين العرب في الرسوم والعادات والتفكير، وذلك بتأثير المحيط الذي حلّوا به، والظروف الطبيعية المؤثرة بالمكان. وقد تعرّب آراميون في العراق وفي بلاد الشام، وصاروا عربًا في كل شيء حتى في الصفات التي ذكرنها، وقد وجدت البعثة الأمريكية التي جاءت إلى العراق للبحث عن السلالات البشرية إن في دماء القبائل العربية التي ترى نفسها أنها قبائل عربية خالصة نسبًا مختلفة من الدماء الغريبة، وإذا أدركنا هذه الملاحظة وقيمة أمثال هذه الدراسات في موضوع تكوّن العقلية وفي حدودها ورسم معالمها، علمنا أنه ليس من السهل في الواقع البحث عن عقلية عربية خالصة